الأحد، 24 فبراير 2013

خطأ البديهيّات




لطالما اعتقدَ الإنسانُ الأولُ ، وخاصة إنسان ما قبل التاريخ وحتى إنسان ما قبل النهضة فى أُوربا، بأنّ الأرض ساكنة ومُسطّحة، وعدّ ذلك من البديهيّات التى لا تقبل النقاش وانّها واضحة بذاتها  لا يعوزُها الدليل أو البرهان؛ إذ انّ دليلها العقلُ الخالصُ. الأرض ساكنة لأنّها إذا كانت مُتحركة، هكذا كانوا يُجادلون، لزم ان يشعروا بحركتها. والارض غير دائريّة إذ كيف يكون الإنسان راسُه إلى أسفل وقدماه إلى أعلى، كيف يمشى الأنسان رأساً على عقب؟!!‍!....لقد اعتقد ارسطو أنّ الثُقل الأثقل يسقط إلى الأرض قبل الأخفّ وزناً وذلك لأنّ التجربة اليوميّة والخبرات الحسيّة التى شكلت عقولهم وعقله، اى ارسطو، كانت تؤكدّ لهم ذلك. وهُناك بديُهيّات لكل عصر وما هى، هكذا أعتقد، بالبديهيّات إذ أنّها نواتج الظروف البيّئيّة والتجارب الحسيّة التى صبغت وصاغت لهم عقولهم على نحوٍ من الأنحاء. من بديهيات الهندسة أنّ الخطين المُستقيمين المُتوازيين لا يلتقيان. تلك البديهيّة قد اُثبت عكسها وذلك لأنُ الفضاء مُنحنى كما أثبت اينشتاين. أعتقد أنّه سيكون فى المُستقبل إمكانيّة تواجد الشخص الواحد فى المكانين المُتباعدين فى ذات اللحظة وذلك على عكس البديهيّة المشهورة. وذلك يعنى أنّ العلم يُحرر عُقولنا من الصبغة الفكريّة التى صبغتها بها الظروف البيئة والتجارب اليوميّة الحسيّة ، ولذلك كُلما ارتقت العلوم قلّت البديهيّات.

ولأضرب مثلاً بسلطان البيئة والعادات الإجتماعيّة فى صياغة العقول، فأنّنى استشهد بارسطو وتصوره للإله فى عصره. فلقد خلع أرسطو مايعتقده هو صفات مُثلى على إلهه، ونظراً لتأثره بنظرة عصره وقومه للعمل  العلاجى الفعلى اليدوىّ وهى الإحتقار  والدناءة ، ونظرتهم إلى الإنعزال فى بُرجٍ عاجى  والتأمل الذّهنى المُجرد وعدم الإنشغال او حتى التفكير فى الآخرين نظرة الإجلال والقداسة والكمال، ذلك كلُه صبغ فكر ورؤية أرسطاطاليس للإله. فهو قد نسب إليه من صفاته هو نفسه مما يعتقده صفات كمال وسمو ورفعة ناسياً، وهوالفيلسوف الذى لا يُشقُ له غُبار، بأنّه أسير عادات إجتماعيّه قد طبعت عقله على هذا النحو من التفكير، وانّ هذه الصورة لا تليق بالإله. فإلهه لا يأبه ولا يُفكر فى البشر؛ لأنّ ذلك يُنقص من كمال و يحُطّ من قيمة فعله الذى هو التعقل المحض. فالله لا يُفكر فى العالم لأنّ العالم دنيئ وحقير بالقياس إليه وذلك لأنّ الله عندما يتعلق تعقله الخالص بالبشر فإنّ قيمة تعقله تنخفض وتنحط غلى مستوى ما يشغل تعقله، ولذلك فهم الله الأول والأخير هو تعقل ذاته لأنّها الوحيدة التى تستحق ان تشغل ذلك التعقل الخالص.يقول أيضاً الفيلسوف اليونانى القديم  إكسينفونXenophon  انّ البعوضة  لوكان لها ان تفكّر فى إلهٍ لها لتخيّلته على انّه بعوضه ذات حجمٍ كبيرٍ جداً  بحيث تكون قدراتها مُطلقة وصفاتها مُطلقة. كذلك الإنسان لا يُمكنه انّ يرتقى فوق نفسه فيعلم حقيقة وجود الله ، وإنّما هو لا بُدّ أن يخلع عليه من صفات الإنسان. لقد قال الفيلسوف الفرنسى سيمون أن الإنسان لا يُمكن أن يتفهم الإنسان وطبيعة ودوافع الإنسان إلّا إذا ارتقى فوق درجة الإنسان وأصبح إنسان فوق العادةMan cannot understand man except when man looks down on man from the standpoint of superman.  ولذلك فنحن نُجيب عن السؤال المشهور الذى يقول"أبالوحى عرفنا الله أم بالعقل؟ بأنّنا عرفنا ضرورة وجود الله بالعقل ، أىّ لزوم وجوده وانّه فوقنا من ناحية القوة والقدرة ، ولكنّنا تعرفنا على أوامره ونواهيه وعلى كيفيّة تصوره من الوحى والرسل الكرام. والوحى يقولُ لنا انّه ليس كمثله شيئ؛ فلذلك علينا أن نتوقف عن تصور كنهه لأنّ كل ما يجول بخواطرنا ليس هو. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق