الأربعاء، 27 مارس 2013

هل يمكن لنظريّة التطور أن تفسرّ أصول نشأتنا؟



                                                                                  
كثيراً ما يتحدث الملحدون عن الله بأنّه " إله الفجوات" قاصدين بذلك أنّنا غالباً ما نستحضره ليسُدّ لنا فراغاً علمياً لم نتمكن بعد من الوصول إليه. وفى المقابل ، يلجأ المُلحدون الى استحضار العلم ليملأ تلك الفجوة بين ما ما يمكننا فهمه عن العالم وما نراه واقعاً حولنا. فهم يزعمون أنّ العلم قادرُ، دون اللّجوء إلى فرضيّة "الله"، أن يملئ تلك الفجوات التى كانت تُتخذّ دليلاً على وجود الله فى الماضى. إحدى هذه الفجوات قضيّة  وجودنا نحن بنى البشر ، قضيّة أصل نشأتنا. إنّ التفسير الذّى يقدمه المؤمنون بوجود إله لنشأتنا ، نحن بنى البشر، هو القول  بأنّ هُناك عقلُ عظيم وراء وجودنا على ما نحن عليه الآن، فلو نظرنا الى بنيّة العين البشريّة ، على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنّ العقل الذى قام بتركيبها لتقوم بمهمتها على ذلك النحو وليس غيره لا يقل بحالِ من الأحوال عن العقل الذى يصمّم الساعة مثلاً.  فأجزاء العين الهائلة التعقيد تعمل معاً فى انتظامِ تام؛ وذلك يستلزم بالضرورة أنّ وراء خلقها غرضُ ما وهو عملها على هذا النحو وذلك يستلزم عقلاً قام بتركيبها وهو الله. يرفض الملحدون ذلك التفسير ويزعمون أنّ  ذلك الوجود البشرى المُعقدّ يمكن تفسيره بنظريّة النشوء والتطور ودون اللجوء الى افتراض وجود عقل أو يد وراءه. الوجود يُفسّر نفسه بنفسه دون الحاجة الى وجودِ أعلى. يزعم القائلون بنظريّة التطور أنّه لم يكن فى الماضى السحيق أىّ لون من ألوان الحياة ، وبالصدفة المحضة  كان أن تواجدت كائنات عضوية بسيطة قادرة على التكاثر ذاتياً. ثمّ، كان أن حدث طفور جينىّ عشوائى أنتج تنوعاً فى تلك الكائنات العضوية  مما أدّى ببعض تلك الكائنات أن تكون أكثر تأقلماً مع البيئة من بعضها الآخر وبالتالى أقل عُرضة لتعرضها لعوامل الفناء. ثمّ انّ ندرة العوامل البيئيّة المُعينة لتلك الكائنات على التكاثر والبقاء  أنتجت المُنافسة الشرسة والأقتتال فيما بينهم. فما كان قادرُ منها على البقاء نجا وحاز على عوامل الوجود والتكاثر مورثاً نسله الجينات التى خولته للبقاء ، وماكان منها غير قادرُ على الصراع  هلك ولم يبقى له نسلُ. ما بقى من نتاج ذلك الصراع وتلك المُنافسة على عوامل البقاء توالدَ  وكان أن حدثت طفورات جينيّة عشوائيّة مما أدّى إلى  وجود نوعيّات جديدة تختلف عن أسلافها. ومع تكرار تلك العمليّة من الإنتقاء الطبيعى والصراع وبقاء الأنسب والأصلح وحدوث الطفور الجينىّ العشوائى، تطورت الكائنات الحيّة فى منحنى صاعد حيث أنّ كل عمليّة انتقاء طبيعى أبقت على الأصلح وتخلصت من الأضعف الى أنّ وصل التطور الى حيث وجودنا نحن بنى البشر. فما وجودنا سِوى تكرار تلك العمليّات عبر ملايين السنين.

"تعقُدّ تركيبىّ لا يُمكن اختزاله"

نردّ على مزاعم نظريّة التطور  هذه بأنّ الكائن الحىّ من التعقيد بحيث اذا نزعنا احدى أجزائه فانّ وظيفته لن تسوء فقط بل لن تعمل على الاطلاق. ولنشرح  فكرة التعقيد الذى لا يُمكن اختزاله ، فلنضرب مثلاً بمصيدة الفئران التى تتآلف من عناصر عدة: صندوقِ وخيطِ وزنادِ وزراعِ وبعض الجبن. فمصيدةُ الفئران بكل عناصرها مجتمعة ستعمل بانتظام وبنجاح ولكن بغياب أى عنصر من العناصر ، فانّ المصيدة ليس فقط لن تعمل بكفاءة  بل لن تعمل على الاطلاق. فلو لم يكن هناك  صندوق تجتمع به باقى العناصر، لتمكن الفأر من اختطاف قطعة الجبن من بين تلك الأجزاء المُفككة دونما عناء. ولو لم يكن هُناك خيط ، لدخل الفأر المصيدة  دون أن يحتجزه الذراع. ولم يكن هُناك زناد، لتمكن الفأر من اختطاف قطعة الجبن دونما اصطدام بالمصيدة. ولو لم يكن هُناك ذراع ، ماكان ليحدث شيئ بدخول الفأر المصيدة . ولم لم يكن هُناك قطعة جُبن ، ما كان الفأر  ليقترب من المصيدة. لذا، فلكى تعمل المصيدة ، فلابدّ أن تجتمع عناصرها جميعاً دونما غياب لأىّ شيئ. هذا المثال ينطبق تماماً على نظرية التطور. ومن أشدّ المقوضات لتلك النظريّة عجزها التام عن تعليل ذلك الطفور الجينىّ الذى أدّى بالأنواع أن ترتقى الى أن بلغت درجة الأنسان العاقل. فنظرية التطور تزعم أنّنا تطورنا بانتظام عبر الزمن وأنّنا ارتقينا تدريجيّا من من حالة وجود الى حالة وجود أرقى تعمل أفضل من سابقتها. ولو افترضنا صدق تلك النظريّة ، للزم أنّ نفترض تعاقب حالات الوجود التى تُتيح لنا أن نبقى وأن نتطور فى مُنحنى صاعد. غير أن ذلك الأفتراض غير صحيح حيث أنّنا لنا حالة وجود مُعقد لدرجة لا تسمح بالعشوائيّة مُطلقاُ. فأىّ موجود بشرى يفتقد القلب أو الرئتين أو أو المعدة أو المُخ أو غيرها لن يكون فقط أقل قابليّة للبقاء من غيره مما يمللك تلك العناصر مُجتمعة، بل لن يكون على الاطلاق. فالموجود البشرى الفاقد للقلب موجودُ بشرى ميٌت ، بالضبط كذالك الذّى يفتقد الرئتين أو المعدة أو المُخ. لذلك فلا يمكن أن نفترض أننا اكتسبنا تلك العناصر عبر الزمن أىّ أن نكون قد اكتسبنا واحدة فى البداية ثم أُخرى بعد ذلك وهكذا؛ فلابدّ أنّ تكون تلك العناصر قد اجتمعت لنا جُملة واحدة، وبالطبع هذا غير التطور حيث أنّ التطور عمليّة تدريجيّة عبر الزمن. اذن، فالقول بالنشوء والارتقاء فى تفسير أصل الانسان غير مقبول. ذلك أنّ هُناك ما يفوق النشوء والتطور فى قضيّة أصل نشأتنا نحن بنى البشر.
  
الإرتقاء والوعى

إنّ مُعضلة الوعى البشرى تفوق نظريّة التطور ، حيث أنّنا لسنَا مُجرّد أنظمة فيزيقيّة فقط ، بل انّنا أرواحُ تُفكر وتُحسّ. وهذه الصفة الذهنيّة عندنا تفوق أيضاً مجرد الأفعال الكهربائيّة فى أدمغتنا؛ وعلى الرغم من أنّ  كل حالة ذهنيّة تستتبعها بالضرورة  وقائع فيزيقيّة تُطابقها إلّا أنّ أنّهما يُمكن الفصل بينهما وليس من تناقض منطقى فى ذلك. وعمليّة الإنتقاء الطبيعى تنتقى الكائنات الحيّة للبقاء طبقاً لسلوكها، أى ما تفعله وليس للعمليات الذهنيّة أىّ قيمة فى درجة البقاء لديها. فالحىّ الذّى يسلك كسلوكنا ، نحن البشر، وليس من عمليات وعى ذهنيّة تصاحب ذللك السلوك كما عندنا، لها نفس درجة البقاء التى لنا نحن.  فليس للوعى أى دور فى البقاء وما البقاء إلّا السلوك فقط. لذا، فنظريّة التطور تُعلّق قيمة البقاء بين الأحياء على الأعضاء التى تكون منفذاً للسلوك، فنحن لنا عينان وليس لنا عينُ واحدة لأنّ ذلك أحرى أن يُعضّض بقائنا حيث أنّ العينين ، وليس الواحدة، تضبط تقدير المسافات لدينا فتزيد بذلك فرص نجاتنا من ترصدّ الضوارى لنا.  هذا غير أنّ الوعى، طبقا ً للتطورييّن، لا يزيد من قدرتنا على البقاء؛ فلو لم يُنشئ الوعى السلوك المؤدّى للبقاء لكانت لنا نفس فرص النجاة! هذا، إن دلّ على شيئ ، فإنّه يدلّ على أنّ نظريّة التطور عاجزة على تفسير نشوء الوعى . واذا  افترضنا  أنّ التطور قادرة على تفسير كيفيّة نشوء الأحياء على هذا الكوكب، فهل ذلك يفضّ لنا التساؤل الأعظم وهو: كيف حدث أن جئنا إلى هذا الوجود؟...بالطبع لا...فلو سلمنا جدلاً بسلامة النظريّة وخلوّها من الثغرات ، فإنّه لا يزال جِدُّ بعيدِ أن تنشأ الحياة بتلك العمليات العشوائيّة  من الطفور الجينى والإنتقاء والتطور وغيرها فى الإطار الزمنى الضيّق الذى زعمه التطورييون. فالحياة على الأرض من التعقيد بحيث لا يُمكن لعمليات الإرتقء أنّ تتمّ فى ذلك الزمن الضيّق  وصولاً إلى الإنسان، قمة التطور. ولو ابعدنا فى الإفتراض وسلمنا أنّ الأحياء نشأت عن مادة غير حيّة عبر عمليات التطور وأنّها تمتّ ووصلت إلينا، نحن البشر،  فمن  غير المُمكن أن تكون عملت على غير هداية سابقة عليها، لابدّ أنّ يدَ الله هدتها إلى ما هى عليه. يتبيّن من هذا أنّنا إذا لم نُدخل الله كموجّه لعمليات التطور،/ فإنّ نظريّة التطور ذاتها تُصبح عاجزة عن تفسير نشأتنا؛ فالإنتقاء الطبيعى لا يصلح بمفرده كتفسير.













Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق