الجمعة، 21 سبتمبر 2012

سبينوزا و الألحاد (3) Spinoza and Atheism

سبينوزا و الألحاد (1)  Spinoza and Atheism
سبينوزا و الألحاد (2)  Spinoza and Atheism

قلنا أن البشر قد ربطوا تلك الغايات المحددة للطبيعة أو قوانينها بمنافعهم الخاصة ، وقلنا ان هذا هو التفكير الدينى بعينه، فطالما اعتقد البشر أن حوادث الطبيعة التى تجلب النفع لهم  لها غايات وهو ذلك النفع لهم..وفى المقابل قد اعتقدوا أن "مضايقات الطبيعة The Inconveniences of Nature"من براكين  وزلازل وعواصف و أوبئة قد حدثت لغضب الله على البشر لتقصيرهم فى العبادة أو ارتكابهم الذنوب......وعلى الرغم ، هكذا يزعم سبينوزا، من ان الأحداث اليومية تكذب طريقة التفكير هذه بان الكوارث تصيب التقى الطاهر والشقى العاصى على السواء، الا انهم لا يعترفون بذلك ،او من الأسهل لديهم أن لا يعترفون .ويعلل سبينوزا عدم الأقرار ذلك بأنهم  يفضلون أن يظلوا جهلاء بالحقيقة وأن يضعوا تلك الحوادث ضمن مجموعة أحداث مجهو لة الافادة لهم من ان يتخلوا عن فلسفتهم تلك التى يعيشون بها  لذا  ، فهم يبررون نتلك الأحداث بأن" احكام الله The Judgements of God" تفوق الفهم البشرى..Above Reason....ويسخر سبينوزا من  هذا المنهج فى التفكير ويقول " بينما هم يتخذون حكمة الله ملاذا من جهلهم  بعلل الاشياء الحقيقية ، كانت الحقيقة  خفيت عن البشر الى غير رجعة  الى ان بزغ فجر التفكير الرياضى  الذى لايتعامل" بالعلل الغائية"Final Causes" لحوادث الكون ، بل يفحص خواصها و صفاتها....ان " حكمة الله التى تفوق الفهم The Above -reason Wisdom of God"  هى ،  طبقا لسبينوزا ، التى حجبت الحقيقة، حقيقة حوادث الكون ، عن الجنس البشرى ، الى أن جاء ديكارت(Decartes)  بقوانينه الريا ضية.....وجد ير بالذكر ان نقول أن فكرة "اللعلل الغائية Final Causes" نشات قديما قدم وجود الأنسان  ، الا ان فلسفتها جاءت مع "أرسطوAristotle"  الذى قال بأن علل وجود الأشياء أربعة: علة فاعلة Efficient Cause ، وهى التى تحدث الأشياء ، وعلة مادية Material Cause  ، وهى مادة ما يتم احداثه ، وعلة صورية Formal Cause ،وهى التى تمنح الموجود وجوده الشكلى، وعلة غائية Final Cause ، وهى تجيب عن سؤالك : لما وجود هذا الشئ ؟......فمثلا  الكرسى الذى اجلس عليه علته الفاعلة النجار ، وعلته المادية الخشب الخام والمسامير، وعلته الصورية  هى الصورة التى هو عليها ، وعلته الغائية الجلوس عليه... والقول بأن للطبيعة علل غائية لابد من الوصول اليها وان تلك العلل  هى لنفع البشر  هو مجرد وهم Misconception من  نسج عقل الا نسان....ويطرح سبينوزا  مذهب العلة الغائية تماما  وليبين فشله  ، يضرب المثل التالى :  لو أن حجرا سقط  من  شرفة ما  فوق رأس  عابر ثم قتله ،  فان  ذلك الحجر، طبقا لمنهجهم فى التفكير ،  يكون  قد أسقط  ليقتل ذلك العابر ، وان لم يكن كذلك ،  فكيف اجتمعت الحوادث الكثيرة  بمحض الصدفة ؟!!!!!! واذا أنت أجبت وقلت :  ان ذلك كان بسبب الرياح  وان الرجل كان عليه ان يعبر من تلك الطريق  ومن هنا حدث ما حدث ،  فلا داعى لأن نفترض  وجود الله  وارادة له  ،  وانما هى الطبيعة  وقوانينها  ،  فانهم سيقاطعونك ويسألون : ولما هبت الرياح فى ذلك الوقت بعينه ، ولما اخذ الرجل ذلك الطريق بعينه ،ولما ذهب فى ذلك الوقت بعينه؟!!!!!  واذا انت اجبت : ان الرياح قد هبت فى ذاك الوقت  بسب تهيج البحر  قبل امس وأن الطقس قبل ذلك  كان هادئا ، وأن الرجل كان يسير  فى ذلك الطريق بعينه  تلبية  لدعوة صديق فى ذلك الطريق..فانهم  لن يقتنعوا  ويتساءلون : ولما كانت دعوة الصديق فى ذاك الوقت بعينه ، ولما تهيج البحر فى نفس الوقت  وعلى هذا النحو؟!!!!!!!!!!!  وهم سوف ينتقلون بك من علة غائية الى اخرى  الى أن  تستسلم لهم  وتلووذ منهم بارادة الله  التى لا يمكن فهمها بحال  من الأحوال  وهى ملجا الجهل The  Asylum o f Ignorance .....  وخلاصة القول  هو أن سيينوزا   لا يؤمن بوجود  الله  وجودا  منعزلآ متعاليا عن الطبيعة  المادية وحوادثها  ، بل الطبيعة  هى جسده  ونحن كمادة جزء منجسده  والوعى والقوانين المبثوثة فى الطبيعة هى  فكره  .....فالطبيعة وأحداثها تجرى  بمحض علل و قوانين  لا تحابى  أحد....فلو لم يكن قد مر العابر ، فى المثال السابق ، من تحت سطح المنزل المذكور  ، لكان الحجر قد سقط فى نفس الوقت الذى سقط فيه  ، فهى قوانين لا تحابى  مؤمنا يقدم القرابين لله  ولا تجافى  ملحدا عاصيا...فقد كان من الممكن أن تسقط جوهرة  أمام العابر وهو ملحد عاص ، أفيكون  الله يحابى  ذلك العاصى الملحد؟!! ....وان لم يكن يحابيه  ، فما هى العلة فى رأى أصحاب العلة الغائية ؟؟! ...وان كانوا  يجهلون العلة ، فلما يلوذون بالغيب الذى لا نتحقق منه  وهى ، فى رايهم ، حكمة الله المتعالية  والتى تدق  عن  أفهام البشر؟!!.... يقول سبينوزا ان ذلك تعليل غير مقبول لأحداث الطبيعة  ولا يؤدى بنا الى كشف  جديد  عن قوانين الطبيعة وأحداثها......ان اسبينوزا يتسائل  : من اين جاءت  وما منشأ أفكار بنى البشر عن  "الجمال والقبح والخير و الشر  والنظام والا ضطراب وكل الفضائل والرزائل"  ؟؟........يقول اسبينوزا :   لما اقنع البشر الأوائل أنفسهم  بأن حوادث الطبيعة  وأشيائها  قد خلقت من أجلهم  فقط ومن أجل نفعهم  ، فانهم راحوا يصفوا وينعتوا حوادث الطبيعة التى  تلائم  نفعهم فى الحياة "بالحسنة Good"  وتلك التى لا تناسب نفعهم " بالسيئة Bad".. و بذلك هم قد اعتقدوا  أنهم  مقياس وجود الأشياء و خيرها وشرها...وهذه النظرة الذاتية الخاطئة تذكرنا بقول الفيلسوف اليونانى بروتاجوراسProtagoras أن "الأنسان مقياس كل شئ Man is the measure of all things"....مثلا  ، هم يصفون الأشياء سهلة التذكر لديهم بأنها حسنة النظام Well-orderd وهى فضيلة  أما الأشياء غير المنظمة  Disorderd  فهى رزيلة عندهم لأنها تشعرهم بالضيق والقلق Uneasiness....وهم أيضا يصفون الأشياء  التى تؤذى أنوفهم بالعفنة Eveil-smelling  ، وعلى النقيض ، فان الأشياء التى تعينهم على الصحة يصفونها بالعطرةFragrant.......والأصوات التى تؤذى الأذن وتسبب نفور Discord  يسمونها ضوضاء Noises  ،  ومايريح الاعصاب ويعمل على تراخيها يسمونها موسيقىMusic ...وقد بلغ الأمر بفيثاغورث Pythagoras أن يعتقد أنحركة الأ فلاك السماوية تولد انسجاما أو موسيقى كونية تسر الله!!!....وهذا يدلنا الى أن الأحنام على احداث الطبيعة ليست موضوعية  ، وانما ميول الأشخاص...وهكذا تجرى الأمثال السائرة  : هناك عقول بقدر مهناك بشر As many minds as men....و كل حكيم على طريقته Each is wise in his own manner ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق