الجمعة، 9 نوفمبر 2012

حُبُ الحياة عند العقاد، أو لما لم يتزوج العقاد؟

عاب البعض على العقاد انكفائه على نفسه فى صومعة العقول والقرائح ليل نهار؛ فهولا يبرُحها،واتهمه البعض الآخر بالزهد فى الحياة، فما نصيبُ الحياة من رجُل يغيش بين الكُتُب والأموات؟!..فالكتب جمادات تحوى بين أدفافها أحياءاً كما قال العقاد نفسه: ياكُتبى أشكو ولا أغضب ماأنت من يسمع أويُعتبُ 
ياكتبى ألبست جلدى الضنى     لم يُغنى عنى جلدُك المُذهبُ
كم ليلةِ سوداءَ قضيّتُها            سهران حتى أدبر الكوكبُ
كأنّنى ألمحُ تحت الدُجى           جماجمَ الموتى بدت تخطُبُ 
العقاد كان يعيش بين أحياء، فهو كان يتمثل مايقرأه، فيعيه ويعقله ويُحسُ به كأنما هو فى عالم أموات أحياء...كلّا! لم يزهد العقادُ فى الحياة ولم تضعُف فى نفسه دوافع الحياة وبواعثُها وإنّما الخطأ عند البعض فى ما ينبغى أن يكون باعثاً للحياة ومقياساً للحياة، كل الحياة.... كلُ قراءات العقاد وشهرته ومجده وكرامته دليلٌ حى على حُب الحياة التى بلغ أشُده عند العقاد.يقول العقاد عن سبب حبه للقراءة" إننى أحيا حياة واحدة ولا أملك إلا القراءة لإُضاعفها، فبوسعك أن تُعرّض حياتك أو تُعمقها.خيالُك أنت خيالُ فرد واحد وفكرك أنت فكر واحد وشعورك شعورٌ واحد، فمابالك إذا قابلت وزاوجت بين الخيالات والأفكار والمشاعر؟!..إننى أقرأُ لأنّ عندى حياة واحدة ، والحياة الواحدة لا تكفينى ولا تُخرج كل ما فى ضميرى من بواعث الحركة"...العقادُ رجلٌ عرف الحياة وأحبها بل عشقها، وهذا وليد حُب النفس، فهو قد عَشقَ نفسه فعملَ لها وأكرمها ، اسمع إليه يقول:

 ما فى الحياة سوى مُحبٍ وامق       سكنَ الغرامُ بكلِ قلبٍ خافق 
 فى كل قلبٍ  صورةٌ  معبودةٌ          وكمينُ وجدٍ بالجوانح عالق
 لا القبحُ يُنقصهُ وليس بزائدٍ          حُسنُ الشمائلِ فى هواه الصادق
 عشقٌ تملكَ كُلَّ نفسٍ حيةٍ           فى الكونِ والمعشوقُ عينُ العاشق  

 فارقٌ ععظيمٌ بين إنسانٍ لم يعمل ولم يُجهد نفسه أو حتى لم يُقيد نفسه بقيد الزواج لأن بواعث الحياة ضعُفت لديه؛ فهو لا يُبالى بنفسه ولا بغيرها، فيكون لذالك كالحيوان أو أحط إذ أنه قد وُهب عقلاً لم يُعمله فى كون الله ، وفارقٌ بين إنسانٍ أحبَ نفسه ورآها جديرة ً بكل تكرُمة فطلب الحياة بالمقايس الذى يرتضيها ، فبواعث الحياة لديه كبيرة ولكن فلتذهب الحياة إلى الشيطان إذا لم تأتى بمقايسه.... يقول العقاد فى إعترافاته :"أعترفُ أنّى أُحبُ الشُهرة والخلود ، ولكنّى أعترف كذلك أنّى لا أطلبها بثمنٍ يهيضُ من كرامتى، فإذا أحسستُ بأنّ أحداً يمتنُ عليّ بشهادة يبذُلها أو شهادةٍ يمنعُها، فليس له نصيبٌ عندى غير التحدى الذى يذهب به إلى الحائط ولتذهب الشهرة والخلود إلى الشيطان"....هل ترى رجُلاً يطلبُ الشهرة والخلود وهو لا يعشقُ الحياة؟!!...........كلّا!..ولكن فلتذهب الحياة كل الحياة إذا خالطتها الذلة والتنكر للمبادئ، انظر إليه يقول:"وليس الحياة شيئاً عندى إذا تجردت أمامى من الألف والّلام" ،فبنو إسرائيل قد طلبوا ليس الحياة بل "حياة" ،أى حياة، فذكرهم الله فى معرض الهجو والتوبيخ، فقال عنهم ،"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة"...أيها القارئ ، العقاد أديبٌ ذو مبادئ وقلمه فعلهٌ...أتحدى أن تكون آراء العقاد قد خالفها بفعله ، فهو قد ضرب لقرائه بنفسه المثل فى العزة والكرامة...يقول العقاد مُزدرياً الزمان التى تأتى فيه الشهرة عن طريق الترخُص فى المبادئ:

 وثب اللئامُ إلى ذُراه فقهقهوا       إن القرودَ لبالتسلقِ أخبر
 مانيل فيه مطلبٌ إلّا له             طلبٌ من العرضِ الوفيرمُقدر
 وبقدر ما بذل امرؤٌ من قذره       يُجزى،فأكبر من تراه الأصغر

 قال العقاد أيضاً فى حبه للحياة ومعالجته للمرض: كأس الحياة أعليّنى على ظمأى وبلّلى بالحُميا طين صلصالى وأسكرينى حتى لا يكون ردى إلّا كما غاب حسٌ بعد جريال وفتشى فى زوايا القلب واقتدحى ظناً بظنٍ وبلبالٍ ببلبال إنّى حسبتُ حياتى غير واحدةٍ من التغير من حالٍ إلى حال إنّ الحياة حياةٌ كيفما اختلفت ألوانها من أمانىٍ وأو جال كم ذا أهبت بروحى أن تُفارقنى ورحتُ أجفلُ منها أى إجفال فاليومُ أنشدُ آلامى وأحمدُها كيما أُحسُ بروحى بين أوصالى 


يُخّيّلُ لى أن العقاد ما كاد يفتح عينيه على الدنيا بظواهرها حتى دُهشَ من كونه حياً يرى ويسمع ويُحسُ ويُفكر، وكأن ما قد وهبه الله للإنسان من قدرات فكرية وحسية ظاهرة عجيبة غريبة تستحق التأمل والتحليل، وكأنه أيضاً من فَرط سُروره بتلك الظاهرة العجيبة المُفكرة، وهى العقل البشرى، راح يُعملُها فى كل شيئٍ، فراح يتأمل ويحلل ويدقق ويبحث فى العلة والمعلول، وكأنه راح يتمثل قول أبى العلاء: أيّها الغرُ! إن خُصصتَ بعقلٍ فاسألنّه، فكلُ عقلٍ نبىُ 

رحمَ الله العقاد ما أكرمه على نفسه فى حياته! وما أحياه بين الناس بعد مماته! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق