الجمعة، 9 نوفمبر 2012

هل المسيّحيّة القائمة عقلانيّة؟

!!!هذا إلههم ، يُصلب ولا يُدافع نفسه؟مما نفرنى من المسيحية القائمة صعوبةُ مُعتقدها، فهو ليس فى مُتناول عامة المؤمنين به أومُتناول الفلاسفة، ففى الإيمان بهذا المُعتقد يتساوى الفيلسوف وراعى الغنم. فعليك أن تؤمن بأن الله مُثلث الأقانيم ، وإذا سألت" وما لأقنوم ؟ أُجيب عليك بأنهكلُ ما شخُص وليس له ظلٌ، فالله واحد بالعدد لأن ليس فيه ما يُغايره أى فى الجوهر، وهو أحدٌ أى ليس مركبٌ من أجزاء؛ إذ كلُ جٌزء فى حاجة إلى غيره وتصبح ذات الله فى حاجة وذلك مٌحال فى حق الله. الله الواحد الأحد مُثلث الأقانيم وهو نفسه الآب والأبن والروح القدس . والآب هنا ،هكذا يزعمون، أبوةٌ روحية، إذ الآب انبثقت عنه الفكرة وهى الأبن ، فالأبن كان منذ الأزل وقديم قدم الآب لأنه صفة من صفاته ومُحال على الله أن تكون صفاته مُحدتة، بل هى قديمة أزلية ، والأبن هو الكلمة ألقاها إلى مريم، والبنوة هنا، هكذا يواصل المُتفلسفون من النصارى زعمهم ،مجازية، كما تقول :"تلك الفكرة من بنات أفكارى" ، والكلمة لها أعمال تقوم بها وهى إيجاد الوجود، والروح القدس من صفاته الرحمة وتدعيم الكلمة التى تجسدت فى المسييح... وإذا رحت تسأل: كيف لذات واحدة تحوى ثلاث ذوات؟ّ!!...قيِل لك أنه ليس فى الأمر أى تناقض فهذا أمر يفوق العقل Over reasonأى غير مُتصور وليس يُضاد العقل Anti reason إذ لوكان ذلك لكنت إذأً فهمت الضدية أو موقع التضاد فيه. وهذا الجدل قديم قدم الفيلسوف الأنجليزى جون لوكJohn Lock فى مقاله له بعنوان معقولية الديانة المسيحيةThe Reasonableness of Christianity ، ثم إنّهم يقربون إليك ما لا يمكن تقريبه، فبقولون: كما فاض عن الشمس النور والحرارة فكذلك تكون ذات الله.. 

.وأعجب من ذلك قولُهم أنّ الله غير الّلاهوت، إذ الله هو الّلاهوت مُتعيّناً أى مُتصفاً فالله هو الآب و الأبن والروح القدس، والّلاهوت هو الجوهر الواحد بغير تعيُّن !!..والله هو موجود بل واجب الوجود إذ أنّ له ذات لابد أن تكون مُتصفة أو مُتعيّنة إذ غير المُتعيّن غير موجود.وتعيُّنات الله ،الآب والأبن والروح القدس ، قديمة قدم ذاته أى غير حادثة ولابد أنّ تكون عاملة منذُ الأزل ولعملها أثر إذ لو كانت غير عاملة ثم عملت لطرأ وحدث تغيُّر فى ذات الله وذلك مُحال فى حق الإله.يقول أفلاطون أنّ الله عادل والعدل وعدم الظلم فى التحليل الأخير البسيط يعنى انسجام ذات الله وبسطاتها وخلوّها من التناقض، ويقصد أفلاطون بذاك أن صفات الله كانت عاملة بينها وبين ذاتها وليس فى حاجة إلى خلق لتعمل .ويستشهد المسيحيون وخاصة من قرأ منهم القرآن الكريم بقوله تعالى ك"شهد الله أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائماُ بالقسط"، ويقولون : هذا الدليل من قُرآنكم ، فالله، قبل وجود من يُجرى عليه صفاته، كانت صفاته عاملة بينها وبين ذاته ، فهو قد شهد لذاته وهذه تسمونها شهادة الذات للذات.أنتم يامُسلمون مابين اثنتين: إما أن تقولو أن الله لم تكن صفاته تعمل إلّا بعد أن خلق العالم فأجرى صفاته عليه، وعند ذلك تكونوا قد عطلتم صفاته ردحاً من الزمن طال أو قصُر وهذا مُحالٌ فى حق الإله الحق لأن ذلك يعنى أن الله طرا عليه تغير وهذا يُنافى كماله...أو أن تقولوا أنّ العالم قديمٌ قدم الله وأنّ الله قد أجرى صفاته عليه أزلاً فلسنا نحن فى حاجة لإفتراض وجود الكلمة الأزلية والروح القدس التى كانت تعمل مع ذات الله، ولكنّكم حينئذٍ تكونوا قد جعلتم الله ليس خالقاً للكون وأنه أزلى مع الله وهذا أيضاً يستحيل فى حق الإله الحق الكامل لأنّ ذلك شركٌ للعالم بالله...إذن ، لنخرج من هذه المُعضلة وجب ان نقول ان صفات الكمال فى الله كانت عاملة بين اذات والله ، فهناك نسبٌ وعلاقات بين الله وّاته ، فالله مارس أوجه كماله بينه وبين ذاته..وعندما نقول لهم :"أن العجز عن الإدراك إدراك والتفكير فى ذات الله إشراك وقد نُهينا أن نبحث فى ذات الله بل أن نتأمل فى صفاته فقط "، فإ نّهم يعترفون بصعوبة الموضوع وبعده عنا وأنّهم لا يُطالبون المسيحيين بالتفكير فى ذلك ولكنّهم يقولون أنّه هو الحق!!....وهذه هى السفسطة بعينها فكيف يعترفون بصعوبة البحث فى ذلك ثم أنُهم يؤمنون به؟! ، أنا أعتقد أنّه من الأولى لهم ، وأفصد رجال الّلاهوت المسيحى أن يتركوا السفسطة لأنّهم هم غير مُقتنعين بها ولا يُمكن للرجل العامى أنّ يدركها...كيف أنّ الكلمة تتجسد ؟! وكيف يسمح الله لذاته ،الكلمة ،أن تُصلب؟! هل كان لزاماً على الله وهو الكامل الكمال المطلق أن يرى دم ابنه حتى يُكفّر بنو آدم عن خطاياهم؟! ألم يستطع الله أن يعفو عن خطيئة آدم الأولى بدون كفارة دم المسييح؟!...مثل هذه القضايا لم اتطرق لها لأنّها معلومة الضلال لدى عوام الناس قبل المثقفين وهى جديرة أن تُسقط المسيحية القائمة بأسرها لو فكّر أهلُها أدنى تفكير، وإنّما تناولت فلسفتهم التى لا يمكن ادراكها والتيقن منها لا لأنها غير منطقية بل لأن موضوع البحث فى ذات الله فوق طاقة البشر وفوق إدراكهم ...وأقول أنّهم لجئوا إلى الفلسفة لأنّ دينهم ضعيف وغير منطقى بذاته فهم لذلك يلتمسون الدليل من الفلسفة التى ضلّت كثيراً .....أنا أتحدى أن يفهم العامة من المسيحين الفلسفة التى يُبرر بها الّلاهوتيون القول بالآب ولأبن والروح القدس كذات واحدة لله ، وأنا أتحدى أيضاً أن يفهم المسيحيون أن معنى البنوة مجازية وليست بنوة حقيقية...قال الله فى قضية خلق المسيح"إنّ مثل المسيح عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون".. هل خلقُ الله للمسييح أصعب عليه من خلقه لآدم؟! المنطق السليم يقول بأنّ الخلق من العدم أهون من الخلق من شيئٍ موجود ، والله خلق المسيح من أُمٍ دون ابٍ ليكون معجزة لليهود الذين لا يؤمنون إلّابالمادة لدرجة انّهم جسدوا الله وقالوا لموسى :"لن نؤمن لك حتى نرى الله جهراً"... جاء ميلاده مُعجزاُ وغيباً وحياته كلُها روحانيات وغيبٌ؛ فهو كان يُبرئ الأكمه بإذن الله ويُحيى الموتى بإذن الله وينبئهم بما يدخرون فى بيوتهم ...وفاته أيضاً كانت مُعجزةً وغيباً ذلك للأن الله أراد أن ينزع اليهود من ماديتهم الطاغية فأتى لهم بنبى حياته كلها كانت غيب وروحانيات ومعجزات .... 


ومن صعوبات المُعتقد المسيحى أيضاً أنّ حواء هى التى أغرت آدم بالأكل من الشجرة فهى أُسُ الشر ولذا فقد طُردت هى وآدم من الجنة ، فهى التى استمعت إلى وسوسة الشيطان، فهى بذلك صِنو الشيطان وسببه وأنّها ، أى الأكل من الشجرة ، هى الخطيئة التى جاء من أجلها المسيح المُخلص ابن الرب ،هكذا يزعمون،ليُصلب فداءاً وتكفيراً عن ذنوب البشر المتمثلة فى خطيئة آدم الأولى، هذا هو معتقدهم، بينما نحن نعتقد فى الإسلام أنّ الشيطان وسوس لكليهما ،قال تعالى:"وسوس لهما الشيطان"، وأيضاً" وأزلّهما الشيطان عما كانا فيه"، فالوسوسة كانت لكليهما وهما الإثنان ذاقا الشجرة فبدت لهما سؤاتهما .إذن لم يُحدد القرآن أنُ حواء هى االسبب ، ولو افترضنا جدلاً أنّها كذلك ،فإنّ الله قد غفر لآدم وحواء بل وجعله نبياً ورسولاً لأولاده وذلك بعد عرفان آدم بخطيئته وندمه عليها واستغفاره، ثم إنّ آدم أخطأ لأنّه نسى نهى الله له طبقاً لقول الله"و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما" أى عزماً على المعصية وإصرارٍ ونيّة مُبيّته.هذا غير أنّ المسيحية تُحمّل آدم وذريته تبعات الخطيئة الأولى original sin ولنفترض أنّ آدم فعل الذنب ولنفترض أنّ الله لم يغفر له ، ما ذنب ذرية آدم بما فعل آدم؟! هل نحن ، بنى البشر، أعقل وأعدل من خالقنا حين لا نأخذ الأبن بجريرة الأب فى القانون الوضعى؟!...حاشا لله أن نكون كذلك ويكون هوكذلك!!..وهم يهربون من تلك الكذبة بسفسطة أكذب منها ويقولون أنّ ذرية آدم لم يرثوا الذنب نفسه بل ورثوا النزوع إلى الذنب أى الميل إلى الذنب ...هذه سفسطة ومغالطة لأن آدم أذنب والذنب لم يغفر ، لنفترض ذلك، وأنّ صفة آدم كمذنب قد لصقت به ،هل تتعدى هذه الصفة إلى ابناءه؟! أو هل يصلح أنّ تورث هذه الصفة الغير جسدية الى الابناء؟!....بالطبع وبالمنطق لا يصلح ، وعالمنا، بالقياس إليه ، يؤكد ذلك ، فأنت ترى اثر الوراثة البدنية من الآباء إلى الأبناء، ولكنّك ليس من اللا زم أن ترى صفة النجار تورث للإبن فيصير نجاراً أو أنّ الأب العاصى المُذنب المُسرف على نفسه بالضرورة يرث منه أبنه المعصية ، بل على النقيض فقد يكون من الأتقياء وعالم الدنيا يُصدّق ذلك. وهل الله العادل الكامل يُعاقب الإنسان منا لأنُه مال ونزع إلى الذنب؟!!هل يُحاسب القاضى الُمذنب لأنه مال إُلى السرقة أم لأنه سرق بالفعل؟ّ!! إذن من الإنصاف أن يتركنا الله فى الحياة الدنيا ولا يُحاسبنا على النزوع إلى االمعصية بل على إرتكاب المعصية ذاتها.... 

ومن تبعات هذا المعتقد الفاسد أنّ الإنسان يُولد وفى فطرته وطبيعته أنّه مذنب أصيل ضالع فى الذنب الذى لم يرتكبه هو ذاته بل ارتكبه اباه آدم، لذلك فهو يولد على غير الفطرة الأولى التى فطر الله عليهاآدم قبل الذوق من الشجرة المُحرمة، ولكن على النقيض من ذلك فإنّ عند نا فى الأسلام أنّ "كل مولود يولد على الفطرة ،فأبواه إما يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه".كلُ طفلٍ يولد يستحق جهنم يُخلد فيها إذا لم يُعمد على يد قس خاص بالتعميد، وكأنّ التعميد يمسح عنه كل الخطايا حتى لوارتكب فظائع بعد ذلك!!!!..وهذا الإجراء يدلنا أيضاً على مدى الكهنوت والوساطة التى بين العبد وربه وهى غير موجودة فى الإسلام على الإطلاق ،فلابد من التعميد على يد قسٍ خاص بالتعميد ، ولكن ما ذنب الطفل إذا لم يعمداه والداه؟! أيدخل النار لأنّ أبواه نسيا ذلك؟!!... ومن غير المعقولات التى تدلك على كهنوت المسيحية وتسلط رجال الدين على العوام أرواحاً وأجساداً ما يُسمى بالعشاء الربانى Eucharist الذى فيه يتمكن قسٌ خاص بهذه الشعيرة من تحويل الخبزbread والنبيذ ، wineوهما اللذان كان يتناولهما المسيح وحواريّوه فى العشاء الأخير، إلى جسد المسيح ودمه !!...هذه السخافة وأمثالها أدت بدارس اللاهوت فى أكسفورد فى القرون الوسطى فى انجلترا جون ويكليفJohn Wycliffe أن ينبذ كثيراً من تعاليم المسيحية بما فيها هذه السخافة التى تسخر من عقول البشر والتى جعلته ، وهو رجل دين متبحر فى اللاهوت ، ينبذ سلطة البابا ، بابا روما ، على الضمائر والأجساد، وشهّرَ أيضاً بما يُسمى بيع صكوك الغفرانsale of indulgences وكأنّ الجنة والنار حكراً على القساوسة دون العامة من الناس!!! جون ويكلف هذا عاش فى بداية القرن الرابع ،أى فى القرون الوسطى ،ومع ذلك لم يتراجع عن آراءه إلى أن طلب البابا استدعاءه فى روما فرفض لأن ليس هناك سلطان لروما على انجلترا، وحينما لجّ البابا فى طلبه ضاغطاً على حاكم انجلترا ، وافت المنية ويكليف دون أن يتراجع عن آراءه ، لذلك فهو يُعد من طليعة البروتستانت ممهداً الطريق لمارتن لوثر كينج.وأنا اعتقد أنّ تلك الأمور وغيرها من السخافات والشذوذات التى تُناقض الفطرة هى التى حوّلت معظم الفلاسفة والمُفكرين عن المسيحية إما إلى الإسلام أو إلى الإلحاد... 
Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق