الجمعة، 9 نوفمبر 2012

البوذية فى الصين

البوذية فلسفة هندية وقد انتقلت إلى الصين عن طريق رجلُ ناسك يُدعى "بوذادارما" الذى رحل إلى الصين بتعاليم بوذا ، ويقال أنه جلس يتأمل فى مقابلة جدار غرفته لمدة سبع سنوات حتى وصل إلى مرحلة النرفانا Nirvana والفارق بين الفلسفة البوذية الهندية والأخرى الصينية أن الأخيرة عملية نظراً لإنطباعها بطابع الصين العملى الأجتماعى .فليست البوذية الصينية مجرد تأمل داخل المعابد وفقط ، لا بل هى فلسفة حياة تدعو إلى التأمل الدقيق والميتافيزيقى فى معاملات الحياة اليومية.وبوذية بوذادارما تُسمى "الزنZen وهى كلمة معناها الحرفى "التأمل"وهو يُعد المعلم الصينى الأول والمعلم الثامن والعشرون فى تسلسل يمتد إلى بوذا التاريخى.ولنعرض للفلسفة الصينية سريعاً ، نقول أن الصين كان يحكمها قبل ألفى عام قبل الميلاد أسرة يُقال لها تشانج ،ثم تعرضت لغزو على يد قبائل فى أسيا تُدعى تشو وقلبت نظام الحكم إلى الإقطاع فحدث فساداً كبيراً فى الأخلاق الإ جتماعية والإنسانية للصينيين.على هذا الوضع جاء كونفشيوس متزامناً مع فيلسوف الطاوية لاوتسوLao Tzu أو يسبقه بقليل.وفلسفة الأول فلسفة اجتماعية فى المقام الأول ترمى إلى إصلاح أخلاق الناس وهى تركز على البشر كأنهم موجودات مطلقة...وهذه النزعة الكنفوشسية تشبه النزعة الأنسانية Humanism فى أوربا إبان عصر النهضة حيث وضعت الأنسان وقواه المفكرة فى منزلة لا يتسامى إليها موجود سوى الخالق حيث آمنت بقدرات البشر على التقنين والتشريع لإنفسهم بمفردهم دون الجوء إلى وسيط خارجى ،إله، ليرشدهم إلى موضع الصواب والخطأ.ولقد عانى كنفوشيوس نفسه من سوء إدارة الحكومات الغازية وفداحة نهبها للبلاد؛لذا فقد أخذ يُنادى بإصلاح الحكومات والسلطات القائمة على ثروات الشعب. فلقد وجد أن مصدر مُعاناة الشعوب من السلطة الحاكمة كون الأخيرة تمارس الحكم بغير المبادئ الأخلاقية الجديرة بالإنسانية، فهو ينطلق من المبدء القائل " انجز للناس ماكنت حرياً أن تُنجزه لنفسك"... 

وعموماً هناك ثلاث نزعاتdoctrines أخذ بها الفلاسفة الصينيون ، لا بل كل شعوب الأرض تأخذ بإحداها ، وأولها النزعة الأنسانية Humanism وهى التى تُميز فلسفة كنفوشيوس الذى حين سأله أحد مُريديه عن العالم الأخر ، قال:لم نتفهم بعد العالم الأرضى الذى هو فى مُتناول أيدينا حتى نُدرك العالم الأخر.فهو فيلسوف إصلاحى يحاول إصلاح دُنيا الناس وليس البحث فى العالم الأخر.إذن ، فنزعة كونفشيوس إنسانية تحتفل بالإنسان وترى أنه موجود مُطلق يُمكن توجيه نفسه وليس فى حاجة إلى إله.وهناك النزعة الطبيعيةNaturalism التى يؤمن مُعتنقوها أنه ليس هناك أسمى من الطبيعة Nature ، فهو الوجود المطلق الإله وعلى البشر أن يوائموا بين سلوكهم وسلوك الطبيعة بحيث يكونا مٌتناغمين وذلك يعتمد على الكيفية التى تسلك بها الطبيعة.هذه النزعة ييقول بها الفيلسوف الصينى لاوتسو والهولاندى سبينوزا والألمانى هيجل.وهناك أيضاً النزعة فوق الطبيعية supernaturalism وهى التى يؤمن بها أصحاب الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والأسلامية على اختلافهم فى تصورهم للإله السماوى.وهذه النزعة ترمى إلى وجود قوة مُطلقة أسمى من الأنسان وهو قد أبدع الأنسان والكون وعلى البشر أن يعلموا ويعملوا بالوحى الذى أوحاه إلى أنبياءه فهو مصدر التشريع للبشر لأنهم ،أى البشر،عاجزين عن التنبؤ بما يطرء من أحداث مُستقبلية فهم لذلك لا يصلحون للتشريع لإنفسهم.... 

لاوتسو والطاوية Lao Tzu and Taoism 

لقد عاصر لاوتسو الفيلسوف الصينى كنفوشيوس وعاصر المشكلات الأخلاقية وفساد السلطات الحاكمة والفساد الذى عانى منه الشعب الصينى من إقطاع واستبداد الطبقات الحاكمة.راح كنفوشيوس يُصلح المُجتمع ويُقيم إعوجاجه الأخلاقى بالمُنادة بالتمسك بالمبادئ الإنسانية التى يجدُر بها البشر كموجودات سامية مُطلقة ، فيُنادى بمبدئى الجين وهو ما يُسمى بالطيبة الأنسانية human heartedness ومبدأ اليانج فى المُعاملة المُجتمععية وخصوصاً عند الحُكام.أما لاوتسو، فقد رأى إصلاح إعوجاج المجتمع لا يمكن إلا من خلال الرجوع إلى المبادئ التى يسير عليها الكون أو الطبيعة فيتناغم سلوك البشر مع سلوك الطبيعة.وفلسفة لاوتسو تُسمى بالطاوية Taoism التى طرحها فى كتاب له يدعى "طريق التاو الأعظم Tao Tee Ch'ing" وهى ترمى إلى أن أخلاق البشر والسعادة الكُبرى والعالم المثالى لا يكون إلّا إذا اتحد تاو الإنسان وتاو الكون.ويقول لاوتسو بأن المذاهب الأخلاقية والنزعة الأنسانية ماظهرت إلّا لتُعبر عن تدهور فى الأنسانية وأخلاقها الذى نجم عن انفصال تاو الأنسان عن تاو الكون، والتاو كلمة صينية تعنى الطريق...وجدير بالذكر أن فلسفة الطاوية قد سبقت فلسفة هيجل الأامانى فى صراع الأضداد the struggle of opposites ...وفى هذه الفلسفة أيضاً شئ من التصوف فى الديانات السماوية المسيحية والأسلامية أو أن شيئاً فى الديانتين من الطاوية ، وايضاًفيها من فلسفة وحدة الوجود Pantheism عند سبينوزا...ولكن ما هو التاو الأعظم ؟...إن لاوتسويقول بعدم تصور أو إمكان إيجاد تعريف للمبدأ الأول لأشياء ، فهو غير موصوف أو مُتسم بسمة لتُعرّف. فقُصارى القول عنه أنه مُبدع الأشياء وليس هو الأشياء وهنا نقطة الفصل بين الطاوية ووحدةالوجود عند سبينوزالأن الأخير يقول بأن الله هو هو نفسه العالم بصفتيه الجوهريتين الإمتداد والوعى ، اما الطاوية فتقول بعدم إمكانية تصور التاو ..وهنا نقول أيضاً أن الطاوية سبقت هيجل إلى وجود الفكرة المطلقة The Absolute Idea وهى العدمnon-being ...وذلك أراه حق لأن هناك درجات للوجود، مجرد الوجود، فأعلى درجات الوجود التى نعرفها ،نحن بنى البشر،هو الوجود الواعى للإنسانthe human consciousness ،ثم وجود ما تحت الوعى subconscious ثم اللّاوعى the unconscious ثم الموت فينعدم الوجود الإنسانى وتلك صفات يتصف بها الوجود الإنسانى...ثم يأتى بعد ذلك الوجود الحيوانى بدرجاته، ثم وجود الجماد بدرجاته وهو وجود لاشكَ مُتصف بصفات طولية وعرضية وحجمية..الخ..ثم ماذا يمكن أن تتصور بعد انعدام الجماد بهذه الصفات ؟!.....وجود اللاوجود او وجود الوجود غير المتصف وهو ما نتصوره با"لعدم"...نعم إن العدم موجود ولكن وجوده غير مُتصف ؛لذلك لا يُمكن وصفه أو إدراكه ولا يُمكن أن تُشبه بشئ لأنه ليس مُتصفاً على الإطلاق ..انظر أمامك ،ماذا ترى ؟بيوت وأشجارونجوم وشموس غير متناهية ، حسناً،ماذا من الصفات تجمع كل هذه المواد ؟..ليس اللون ،فهو عَرض مُتغير ، ليس الملمس ، فهو مُتغير من شخص لإخر، وإنك لتختبر كل الصفات فلا تجد غير المقاومة كوصف مشترك بين سائر مواد الكون ...الماء مثلاً حينما يندفع بشدة فيُلقيك إلى الوراء يشترك مع الهواء مثلاً فى علة المقاومة..فأنت حينما تصطدم بالأشياء وتقاوم يدك حين دفعها تعلم معنى الإمتدادExtension وهذا الأمتداد هو مانسميه المكان وليس هو الفراغ أو الفضاءSpace ...تخيل انعدام هذا البيت الذى أمامك ،ثم انعدام الشمس ، ثم انعدام القمر ،ثم باقى مواد الكون...ماذا يتبقى ؟...أولاً قبل أن تُجيب ، هل يمكن أن تتصور انعدام الكون ،أو بمعنى آخر ،هل مجرد تصور انعدام مادة الكون يُعارض المنطق أو البديهيات؟هل هناك تعارض عقلى عند افتراض انعدام مادة الكون ؟..بالطبع لا ، ولكن هل يُمكن أن تتصور انعدام الفضاءSpace ؟ لا بالطبع ، لأن بعد انعدام المادة لا يتبقى سوى الفراغ ..العدم ..اللاوجود..المُطلق الأبدى الذى هو موجودُ على الدوام...الوجود المُطلق غير المحدود هو العدم ...هل يُمكن وصفه أو تعريفه؟! ...لا ..لا يمكن لأنه غير مُتصف...كل ماهُنالك أننا مُضطرين عقلياً للإعتراف بوجوده....هذا هو الوجود فى أبسط صوره، لذا فهو من البساطة بحيث لا يُمكن وصفه؛ إذ لغتُنا البشرية تعج بالأوصاف نظراً لتطابقها مع أشياء مُتصفة...وتتفق الفلسفتان الطاوية والهيجلية على تغلغل مبدأ الوجود وهو التاو فى الأشياء..فهو ليس الأشياء ولكنه يحوى الأشياء إذ وجوده سابق على ولازم لوجود الأشياء..تلك الفكرة المطلقة، طبقاً للفلسفتين، تطورت واتصفت على مر الدهور وارتقت(نظرية النشوء والإرتقاء Evolution theory) حتى تغلغلت فينا نحن البشر ...وتلك الفكرة المُطلقة أصبحت مدركة لوجودها من خلال البشر المتصفين بالوعى وخاصة من خلال هيجل نفسه لأنه هو أول من اكتشف تلك الفكرة !….يقول لاوتسو أن معرفة كيفية سلوك التاو الأعظم وتوحدنا مع مراده فينا يُتيح السعادة المثالية للجميع...عندما تنقلب الأشياء إلى أضدادها ،ذلك يعنى تغلغل مبدأ التاو فى الأشياء وهو التحول من النقيض إلى النقيض...النهار يُعقبه اليل والصيف الشتاء ، وهذا هو طريق الكون وعلى الأنسان أن يتناغم معه ويفهم سلوكه ولا يعارضه...فالإنسان عليه أن يلبس الثياب الثقيلة فى للشتاء ويستمتع به، والخفيفة فى الصيف ويستمتع به أيضاً...وينصح لاوتسو، كمصلح اجتماعى ،الحكام بعدم فرض قوانين أخلاقية صارمة متشددة مُلزمة للناس ؛ذلك لأنها ستخلف الكثير من أنماط السلوك غير الأخلاقية المُتسترة التى تعمل فى الخفاء فيكثر بذلك الفساد.وإنما عليه ترك الرعية تسلك على طريقتها الهادئة..."كلما زاد الشيئ عن حده انقلب إلى ضده" ذلك مبدأ آخر من مبادئ الفكرة المطلقة ، فالتاو العظيم قد أسرف فى الوجود لدرجة أنه أصبح غير موجود...والتاو العظيم بما أنه يتغلغل فى الأشياء ،فإنه قد يتغلغل فى البشر....فكلما ازداد تكبر وتغطرس انسان، أفضى به ذلك إلى الضعة والذلة..فالتاو كان موجوداً فى ذلك الإنسان بصفة التكبر والغطرسة ومعدوم فى نفس الآن بصفة الضغة والذلة، فتطور فيه التاو وانقلب إلى الضد.ذلك ،طبقاً لهيجل،طريق الفكرة المطلقة فى الإرتقاء وهى اتحاد الإضداد ، فالدولة تكون فى أوجها ثم تضمحل ، ثم إن علل الأوج والإضمحلال يندمجا فى دولة أخرى، فتخرج لنا دولة موجودة بصفة ثالثة thesis + antithesis= synthesis

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق