الجمعة، 9 نوفمبر 2012

المرأة أصل الجمال والشهوة أصل الشر

يعتقدون فى المسيحية أنّ الشجرة التى ذاقها آدم وحواء هى "شجرة المعرفة"، ولا أدرى ماأصل وصحة دعواهم هذه ، إلّا إننّى أرى فى تسميتها بشجرة المعرفة بعض المنطق والرمزية. أنالا أتفق معهم إذا كانو يقصدون بشجرة المعرفة المعرفة المجردة وأن يأخذوا كلمة شجرة على غير معناها الحرفى بأنها كانت شجرة حقيقية وجودة ولها ثمار وتناول منها آدم وحواء.أنا لا أستسيغ أن تؤوّل الشجرة بالمعرفة إذ ليس هناك داعى منطقى ، وأنا أسأل ما المانع فى أن تكون هناك شجرة بمعناها الحرفى قد حرّمها الله على آدم وحواء؟! إنّ المنطق فى تناولنا للنصوص سواء الإنجيلية أو القرآنية هو أن نتناول الآيات بحرفيتها ودلالتها المادية إذا استقامت ، وإن لم يستقم المعنى مع المنطق ومع السياق وجب إذن أن نؤوّل الآيات مجازياً...أنا لا أُنكر المجاز فهو موجود ولكن أُنكر الإسراف فى الّلجووء إليه...ولكنّى أتفق معهم بشدة إذا كانوا يقصدون بشجرة المعرفة الشجرة التى أفضت بآدم وحواء إلى معرفة ما كانا يجهلانه بعدما ذ اقا منها، أىّ أنّ المعرفة منسوبة إلى الشجرة وليست هى الشجرة ذاتها...وماذا كانا آدم وحواء يجهلان قبل عصيان ربهما و الذوق من الشجرة المُحرمة؟...الشر والخير ، لقد عرفا آدم وحواء معنى الخير والشر ، ولولا العصيان والأكل من الشجرة لظلّا جاهلان بالشر والخير إلى ما شاء الله أنّ يجهلا....آدم وحواء كانا ساذجين كالأطفال لم تعرف نفوسهما إلى معانى الشر أو معانى الخير طريقا، وهل يُدرك الطفل الذى لم يبلُغ الُحُلم معنى ً من معانى الشر أو الخير؟!...كلّا...بل كانا مُجردين منهما وكانل يأكلان ولا يتغوطان أو يبولان إذا كان خروج العرق من مسام الجلد كان هو بمثابة الإخراج عندهما. كانت فتحتا القُبُل والدُبُر عندهما كفتحة الفم!...ثم ماذا حدث لمّا نسىيا نهى الله لهما وخالفا أمره وذاقا الشجرة الشيطانية المُحرمةالتى ترمُز إلى الشيطان؟ " طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة"....أنا أعتقد أنّ عصيان النهى الّإلهى وإطاعة الشيطان أعقبه مُباشرة وظيفتى القُبُل والدُبر وشهوتيهما ، فعصيان الله ، هكذا أعتقد ، شرٌ محض ،أى ليس فيه شبهة خير ، ومتى يكون عصيان الله خيراً؟!. ثم إنّ ذلك الشر المحض أعقب نتيجة هى بالطبع شر محض وهى وجود الشهوة فى آدم وحواء، وكأنّ إطاعة الشيطان يعنى وجود الشهوة...آدم عصى الله وذلك شر محض، فاعقبه نتيجة وهى وجود الشهوة فيىهما وهى شرٌ محض أيضاً، إذن فالشيطان يساوى الشهوة الجنسية ، فمتى وجدت الشهوة وجد الشيطان ومتى لم تعرف الشهوة إنساناً غاب الشيطان وبالتالى غاب الشر...ولكن لا يخدعنّك أحدٌ بسفسطة فيقول: لقد عصى الله آدم وحواءقبل وجود الشهوة، فذلك يدل على أنّ الشهوة شرٌ مُتأخر قد سبقه شرٌ طبيعى به أخطأا، فهما عصيا الله بشرٍ فى طبيعتيهما أعقب شراً آخر وهو الشهوة.... كلامٌ منطقى غير أنّ الله قال:"ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما" ، إذن كان من الحق أنّ نقول أنّ الشر كان مُتأصل فى آدم وحواء قبل نشووء الشهوة لو، فقط لو، كان قد تعمدا معصية الله، ولكنّهما سهيا عن نهيه.....إذن فالنتيجة التى نخرج بها أنّ الشر كل الشر والمعصية كل المعصية مردُّها إلى الشهوة، اشتهاء الرجل للمرأة والمرأة الرجل، وذلك واقع وملموس ، فالطفل قبل البلوغ لا يُفرق بين الحب والكره ولا بين أى معنى من معانى الخير والشر، حتى إذا ما اشتعل فيه سُعارُ الشهوة، تمرغ فى كل الرذائل التى بها عرف الفضائل ،لأن الأشيا تُعرف بأضدادها....وإلّم يكن كذالك، فلما قتل قابيل هابيل ؟!! ....أول جريمة وثانى ذنب ارتكبه البشر بعد آدم كانت بسب الشهوة..... 

وهذا المعنى يؤكده الشاعر خليل مطران فى قصيدته "آدم وحواء": 

حواءُ! هذى جنةٌ أُنُفٌ           وأنا آدمٌ فيها وذا الثمرٌ 
فرنت إلى غُصنٍ به علِقت        تُفاحةٌ يشتاقها البصرُ 
وقالت: ألا أرقى فأقطُفُها؟        فأجبت : إنّ العبد يأتمرُ 
وأنلتُها كتفى لأرفعها          فسمت لتجنيها ولا حذرُ 
فاقتسمناها كما اقتُسمت       قِدماً على ما قدّر القدرُ 
فتحوّلَ الجهلُ العهيدُ بنا     علماً وبان النفع و الضررُ
ذنبٌ أتيناهُ مُشاطرةً         والذنبُ شفعٌ وهو مُنشطرُ 
لا بأسَ من فقد النعيم به       وقد استعاضت بالهوى البشرُ 
حواءُ! فتنتُك النعيمُ لنا         لا الماءُ والأطيارُ والزهرُ 
حواءُ ما أغويت آدم بل        أحييته والصبوةُ العُمُرُ 
من لم يُحبُ فما الصفاءُ له       صفوٌ وما كدرٌ به كدرُ 
ينجاب عن وجه الحياة كما      تنجابُ عن مرآتها الصورُ 

قُلنا أنّ طرد آدم و حواء من الجنة كان فاتحة خير لأنه عرفهما مواضع الخير والشر ومواضع الهُدى والضلال ، وقُلنا أنّ الشر يساوى وجود الشهوة وهى خيرٌ أيضاً ؛إذّ بها ميّز آدم وحواء بين الخير والشر وبها عرِفا الجمال الحسى فى كلٍ منهما من، فقط من، الجانب الشهوانى وكذلك فى نسليهما أيضاً، حتى ترقّى ذلك الحس الجمالى الشهوانى الذى موضوعه جسد المرأة إلى حُب وتقدير جمال الكون، الحسّى أيضاً، من شموس ونجوم وأنهار وشروق وغروب وغيرها من مظاهر الكون المادى. حُبُ الجمال ذلك كان مبدؤه حسى صِرف وهو الذى كان يجذب الرجل والمرأة إلى الإلتقاء الجنسى، فاستدارة ثدى المرأة ، مثلاً، كان يُمثل مُتعة بصرية ماكانت لتنشأ فى نفس الرجل لو لم تكن هناك شهوة جنسية ، ثم إنّه شيئاً فشيئاً بدأ تقدير الجمال الجسدى البهيمى الذى موضوعه جسد المرأة ير تقى إلى تقدير وحب الجمال كمعنى ، فارتقى حب وتقدير الإستدارة فى النهود إلى تقدير الإستدارة كمعنى ، وحب وتقدير تناسُق الأعضاء فى المرأة إلى تقدير تناسق الأعضاء كمعنى مجرد من الشهوة، وبمرور الزمن، صار حُبُ الجسدُ الجميل المُتناسق كحُب وتقدير الفنان لتمثاله، ثم ارتقى ذلك التقدير والحس الجمالى الذى أذكته الشهوة ، والذى موضوعها هو جسدُ المرأة، فى الرجل إلى تقدير مظاهر الكون المادى لا لأنها تمثل متعة جسدية كجسد المرأة للرجل بل لذاتها، فتعلقت بها"نفوس" بنى آدم وعبرّوا عن ذلك الحس الجمالى والتقدير الذى يُحسه الإنسان تجاه الكون بالأغانى والأشعار، وأعتقد أنّ هذا هو الذى دفع السير فيليب سدنىSir Philip Sidney إلى القول بأنّ الشعر أسبق من الفلسفة والتاريخ والعلوم؛ ذلك لأن الشعر ما هو إلّا عواطف الإنسان وخوالج نفسه وأحاسيسه وخوفه ورجاءه الذى لا ينقضى.....لذلك فأنا أعتقد أنّ أصل الإحساس بالجمال راجعٌ إلى المرأة، فحبُ وتقديرُ المُجردات من المعانى كالعدل والصدق والأمانة وغيرها،ما كان لينشأ ويرتقى لولا أن سبقه تقدير المحسوسات المادية وهى كل مظاهر الكون المادى، وهذه بدورها ما كانت لتكون لولا أن سبقها حب وتقدير جسد المرأة وهو الذى ماكان ليكون لولا ربطها بلذة ومتعة جسدية عنيفة .... 

قلنا انّ الإنسان أحب مظاهر الكون ، ونظراً لتعمق الحب فى نفوس بنى آدم ، وخاصة المثاليين منهم ، فإنّهم أرادوا أنّ يقتربوا أكثر وأكثر من معشوقهم ، فأعملوا الفكر فيها ومن هُنا نشأت الفلسفة ، ثم بعد فترة من الزمن ، نشأ العلم ، ولذا يقول الفيلسوف الإنجليزى Russell أنّ حُب المعرفة love of Knowledge بدأ تأمُلياً contemplatively ثم انتهى استغلالياً manipulatively، وهويقصد انّ حُب المعرفة تنشأ عن عاطفة ذات شقين وهى أنّها تنشأ حباً فى موضوع المعرفة ذاته knowledge for knowledge أو من أجل السيطرةعلى موضوع المعرفة ، والذى يمثل النزعة الأولى الفلاسفة والشعراء حيث أنّهم كانو يتأملون الكون حُباً فى أو قُرباً من ذات الكون، والذى يمثل النزعة الثانية البراجماتية pragmatism and instrumentalism وفحوها هو أنّ معرفتك بالشيئ تكون صادقة بقدر ما تمكنك من استعماله والسيطرة عليه والتصرف فيه لصالحك your beliefs about your object of knowledge is true in as far as it enables you to control over it ، إذن ، فمقياس صدق المعرفة عند الحضارة الغربية الأن هو مدى تمكينك من أخذ فائدتها واتقاء شرّها ، وعلى ذلك فمعرفة الشاعر و الصوفى والفيلسوف غير صادقة وعديمة الجدوى ، بينما قال الصوفى قديماً أنّ حياتنا الأبدية تتعلق بمعرفة الله in the knowledge of God stands our eternal life ، ونحن نُريد أنّ نعرف الله ليس للسيطرة علي ، بل لمجرد الحُب فيه لذاته...تلك النشوة ، نشوة الصوفى التى لا تُقابلُها لذة، ليست بذى جدوى عند أصحاب البرجماتية.... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق