الجمعة، 9 نوفمبر 2012

ماذا تعرف عن نظريّة الجمال؟

"هى القدرة الهائلة على تجشم العناء" ذلك ما قاله توماس كارليل عن العبقرية ، وهى تنطبق تمام الآ نطباق على نيوتن فهو قد قال عن نفسه ان قصة التفاحة التى سقطت فوق رأسه وأ لهمته نظريته فى الجاذبية لم تكن واقعية وا نما كد ذهنه سنين طويلة حتى فض مغاليق الفلك والأجرام السماوية.ويقال أنه ظل يعدل نظريته عشرات السنين وذلك بسب الحساب الخطأ لنصف قطر االأرض,وأخيرا توصل الى قوانينه الأربعةالتى تحكم حركة الأشياء كبرت او صغرت.

القانون الأول:

"الأجسام الساكنة تظل ساكنة والمتحركة تظل متحركة الى ما لا نهاية فى خط مستقيم وسرعة منتظمة ما لم يمارس عليه جسم أخر قوة فيغير من سرعتها أو اتجاهها".

لقد غير نيوتن من معتقداتنا عن الحركة,فأرسطو Aristotle اعتقد فى الأ خلاط الأربعة Four Temperaments وهى التراب والماء والهواء والدخان, فالدخان مثلا شبيه بالهواء لذا فهو يصعد اليه. وأيضا ظل الفزيائىون يعتقدون أن السكون هو أصل الأشياء ,فالجرم المتحرك سيتوقف لامحالة اذا لم تستمر قوة فى دفعه.ولكن نيوتن نظر بأن الساكن سيظل ساكن وذلك بفعل قوة تؤثر عليه وهى قوة القصور الذاتى (Force of Inertia) وهى أن الجسم يميل الى الأحتفاظ بحالته التى هو عليها سكونا كانت او حركة وهو قاصر عن تغير حالته بذاته بل فى حاجة الى خارج عنه ليغيرها وهو يقاوم التغير.انت تندفع الى الأمام عندما تبطئ السيارة لتحافظ على سرتك الأولى.وكلما زادت كمية الكتلة فى المادة وهى الذرات المتراصة جنبا الى جنب ,زاد القصور الذاتى. ...لنفترض أن جسما ساكنا أثرت عليه قوة , تلك القوة تكون قد أكسبته عجلة لأنه هو كانت له سرعة مقدارها صفر و اتجاه صفر أيضا,اذن عندما تعمل قوة ما على جسم ما فهى تكسبه عجلة Acceleration و اتجاه Direction.

القانون الثانى :

"عجلة أى جرم رهن بمقدار واتجاه القوة المؤثرة فيه وكتلة ذلك الجرم ، وذلك مشاهد وملموس فى الطبيعة . 

القانون الثالث:

أما القانون الثالث فهو أن لكل فعل رد فعل مساوى له فى القوة ومُضاد له فى الإتجاه "for every action, there is an equal and opposite reaction ,equal in force and opposite in direction .لنفرض أنك قذفت كرة فى حائط ، ماذا يجرى ؟ .ستجد أن الكرة ارتدت إليك بنفس القوة وى اتجاهك ، ولكن لنفترض أن نفس الكرة قمت بقذفها بنفس القوة من نفس المسافة ولكن ضد سجف من قماش ،/ ماذا يحدث ؟ستجد أن الكرة أخذت الستارة مسافة معينة إلى الوراء ثم سقطت على الأرض ؛ ونفسر ذلك بأن هناك قوتين غير متوازنتين unbalanced forces وهلتى غيرت من اتجاه وسرعة السجف هى القوة الأكبر ، وقد مارست الجف قوة أكبر ....أنت تمشى على الأرض فتضغط عليها بقوة الى أسفل وهى تضغط عليك بقوة إلى أعلى ، ولو لميكن ذلك لما مشيت خطوة ؛ القوتين متساويتين ومتعاكستين فى الأتجاه .
القانون الرابع :
وهو ينص على بقاء الطاقة أو الحركة وهو أن " المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم " وهو أيضاً يسمى "قانون بقاء الحركة the conservation of angular momentum ، فمثلاً عندما تبطئ حركة الرض بسب المد والجزر واحتكاك المياه فى قيعان المحيطات ، فإن القمر يتر اجع مُتباعداً عن الأرض ليحتفظ بنفس المقدار من الحركة وهذا مايسبب طول اليوم ..والحركة حياة ، والحركة دليل حسى على وجود الحياة ، والأصل فى الأشياء الحركة .أنت لا تجد حجراً يتحرك بذاته وذلك لأن ليس فيه حيا ة ، أقصد الحياة التى نعرفها نحن بنى البشر ، غير أنه يتحرك داخل نفسه ، ذراته تتحرك ، إذن فيه درجة من درجات الحياة ، وذلك أثبته العلم .وقديماً قال الفيلسوف والرياضى الألمانى ليبينز ، أن كل الأشياء تتكون من وحدات جوهرية غير قابلة للإنقسام indivisible monads والله ، جلّ أن يُدعى شيئاً إذ هو رب الأشياء ، هو الحدة العظمى Supreme Monad الذى له القدرة المطلقة على إفناء باقى الوحدات ، أما كل الأشياء ماعدا الله فهى وحدات monads غير قابلة للإنقسام غير ان ،طبقاً لليبنز ،جوهرها مادى material essence . هذه الأطروحة فى فلسفة ليبنز قد أعضلت الفلاسفة بعده إذ أن الجوهر غير الروحى غير المادى غير القابل للإنقسام مهما تكاثر لا يؤدى إلى جوهر مادى قابل للإنقسام .إلا أن خيال ليبنز أتاح له أن يتصور أن نهاية الماديات بعد ملايين الإنقسمات ستؤدى لا محالة إلى جوهر روحى spiritual غير قابل للإنقسام .فما الماديات إلا روحيات تكاثرت وتكثفت ، فهذا الحجر ، مثلاً، ما هو إلا ذرات مادية مؤلفة من نواة وبروتونات ونيترونات التى ما هى إلا إشعاعات و الإشعاع حركة والحركة غير مادية .

يقول ليبينز أن الجمادات the inanimate بها حياة ولكن قليلة الدرجة ، فكما أن الحياة أو درجة الوعى degree of consciousness تتدرج فى الإنسان نفسه فهى تتدرج فى الجمادات والحيوان والأنسان ، فالإنسان يكون على أعلى درجة من الوعى والفكر أو الوعى أو الأدراك فى اليقظة ، فأنا الأن مثلاً ، على وعى بما أفعله ، فأنا أكتب عن الوعى وأُفكر وأمسك بالقلم وهكذا من الفعال الواعية ، وكما قال ديكارت : أنا أفكر ،إذن أنا موجود I'm thinking ; therefore , I am ....أنا الأن فى أعلى درجة من الحياة ، أى الوعى ،لأننى أدرك الأشياء وأُدرك أننى أًدرك الأشياء .ثم إننى إذا غفوت غفوة خفيفة بحيث لا تُراودنى الأحلام ، فأنا قد أحادث من بجانبى على غير وعى ، ولكننى إذا نمتُ نوماً عميقاً وأخذتُ أحلم ، فهل أكون على درجة من الوعى والحياة أم قد سُلبا منى ؟...هُنا يُعارض ليبنز ديكارت ويقول : لو كان النائم الحالم على غير درجة من الوعى ولو ضعيفة ، فلما تُيقظه دقات جرس الكنيسة فى الثانية وليست الثانية عشرة ،مثلاً ؟فالذى يدل على أن الوعى ليس معدوماً وإنما موجود بدرجة طفيفة إفاقة النائم الحالم على دقات الجرس وإلّا لما أفاق مُطلقاً ، وإنما علا وعى النائم فى الساعة الثانية بدرجة تمكنه من إدراك صوت الجرس .إذن ، فالحيوان على درجة من الحياة ، من الوعى مثل تلك التى عند النائم .لذلك ليبينز يسمى الأنسان وحدة فكرية spiritual monad والحيوان وحدة روحية soul monad أما الأنسان روح أو حركة زاد عليها الإدراك فأصبحت spirit اما الحيوان فهو حركة دون إدرك الأنسان .إذن دليل الحياة الحركة ، دليل الوعى الحركة وهذا مشاهد فى الحسيات.أما دليله فى المعنويات هو قولك عن الفتاة الجذابة شكلاً المنفرة طبعاً وحياة" أنها ثقيلة الدم "وعن الأخرى المليئة بالمراح والحياة Lively " أنها خفيفة الدم "، أو روحها خفيفة "

فالفتاة قد تكون جميلة ولكن جمال كجمال التمثال الرخامى البارد ، أى ليس فيها حركة حياة .فهى قد تتحرك حركة حسية مُشاهدة ملموسة التى دليلُها انتقال الأقدام ، ولكن حياة الروح قُوامها " حركة الروح او بالأحرى ، حركة الوعى " والتى دليلُها الممازحة والأنتقال من فكرة لإخرى بذكاء وسلاسة ودون إعاقة حركة الفكر وهى هنا تسلط الأفكار ."وخفةُ الروح " بالتعبير الدارج هو دليلُ على إحساسنا وإحساس العوام –ولو لم نستشعره- بأن أصل الحياة ، بما فيها حياة المعانى والمعنويات ، هى الحركة ، خفة الأنتقال بالوعى من فكرة إلى أُخرى بسلاسة ...إذن فمقياس الجمال هو الحياة و مقياس الحياة هو حرية الحركة بدون قيود سواء قيود حسية أو معنوية ...قال المرحوم سيد قطب شهيد الأسلام :


أخى أنت حرُ وراء السدود *** أخى أنت حرُ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصماً*** فماذا يضيرُك كيد اليهود

قال العقاد أيضاً فوق ضريح سعد زغلول بعد خروجه من السجن :

وأعظم بها حُريةً زيد قدرُها *** لدن فُقدت أو قيل فى السجن تُفقدُ

وما أقعدت لى ظُلمةُ السجن عزمةً*** فما كلُ ليلِ حين يغشاك مُرقدُ
وما غيبتنى ظُلمةُ السجن عن سنى ***من الرأى يتلو فرقد اً منه فرقدُ
وكنت جنين السجن تسعةُ أشهرٍ*** وهاأنا ذا فى ساحة الخُلد اأولدُ
عِداتى وصحبى لا اختلافُ عليهما *** سيعهدنى كُلٌ كما كان يُعهدُ

هذه القصيدة من القصائد التى أعتزُ بها وأُحبُها ..العقاد كان حُراً فى القيود ، لا بل زادت قيمة حُريته حينما اعتقد غيره من أنصاف المثقفين والمجاهدين فى سبيل التحرر الوطنى أنها ستتلاشى بانخفاض صوت العقاد فى المُطالبة بالحق وتراجعه عن القضية بأسرها ...لا يمكن لك أو لغيرك أن تُثبت حُريتك فى الفراغ ، أى بدون مُقاومة ..أنت تعتقد أنك حر الفكر حتى تصطدم بما يُنافى تلك الحُرية ،فإما أن تُثبتها بالإصرار عليها أو تنفيها بالتخلى عما تعتقد أنه هو الحق ...رحم الله العقاد ، ماأدق تعبيره !..حُرية العقاد الحسية قد فُقد ت وهذا حقٌ ولكنه لم يفقد حرية المعانى مُطلقاً...إذن ، فهناك حُرية الحركة الحسيّة والتى قد تفقدها فلا يجب أن تأسى عليها ؛لأنها ليست بذات أهمية على وجه التحقيق .وهناك حرية الفكر ،المعانى ،الضمير وهذه لا يجب أن يفقدها المرء إذ أنها هى العزاء والخلاص له ...أنا أعتقد أن القيود الحقيقية هى القيود المعنوية وهى التى قد تُقيّد الأنسان حركياً...أنظر إلى القرون الوسطى وكيف أن القساوسة قد بسطوا سلطانهم على ضمائر الناس وأفكارهم ...إن مشعوزاً كان يُوحى إلى عوام الناس بأن روحاً تتلبسه ، فيتوهم العامى منهم ذلك فيأتى بحركات لا إرادية ويُصدّق ادعاء المُدّعى ، وأيضاً قد يتمكن المشعوز من تقييد قدميه بالإيحاء...كل هذا يحدث بسب القيْد الفكرى ، فقد قيّد هذا العامى وغيره وعيه وأفكاره بفكر ذلك المشعوز ، ذلك القيد قيدُ معنوى أفضى إلى قيدِ حسى ضُرب على الأقدام ...أوربا فى القرونت الوسطى كانت تسمى بالقرون المُظلمة Dark Ages ،ذلك لأنها كانت مُظلمة معنوياً ، وحينما انقشع الظلام الفكرى المعنوى وأصبحت الأفكار حُرة طليقة انقشع أيضاً الظلام الحسى فجاء المصباح الكهربائى مثلاً....إذن الجمال فى المعانى هو حرية حركة الفكر ....كذلك أيضاً الجمال فى الأجسام ، فجسم الفتاة أو الفتى الجميل هو الجسم الحرُ والحرية هنا تعنى حُرية آداء الأعضاء ، كل الأعضاء ،بوظيفتها الموكلة إليها آداءاً كاملاً، وهذا لا يكون إلّا إذا كانت الأعضاء لا تُقيّد بعضها بعضاً لأن القيدُ ثقلُ والثُقل يُنافى حُرية الحركة فى آداء الوظيفة ....فمثلاً ، ردفا الفتاة الممتلئان جميلان لأن ذلك يدل على اتساع عظام الحوض لديها مما يجمُل بآداء الوظيفة وهى الحمل ، أما إذا صغُرا وتسطحا ، فإنه يدل على صغر عظام الحوض وهو مما يؤذى الجنين.

إذن ،الجسم الحُر هو الذى كل أعضاءه تؤدى وظائفها الموكلة إليها بتمام دون أن تعوق حُرية آداء الأعضاء الأخرى...وهذا يتناغم مع ما قاله الفيتسوف الإنجليزى هيوم بأن الجمال فى الأشياء هو الذى يُشعرك بالراحة والإنبساط easiness عندما تنظر إليه ، وكلُ جسم يولّد لديك التراخى relaxation هو جميل وعلى النقيض، فكلُ جسم يُشعرُك بالإنقباض والقلق worry and uneasiness هو غير جميل ودرجته فى الجمال تقل تبعاً لذلك .عمود البيت المُدبب فى أعلاه بحيث تكون قاعدته أعرض منه جميل لأنه يثشعرك بالإنبساط لأنه يُلائم الوظيفة ، وإذا كان تركيبه على النقيض من ذلك ، فهو غير جميل لأنه يُشعرك بالخطر ، خطر السقوط لأن بنائه لا يُلائم وظيفته..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق