الاثنين، 22 أبريل 2013

ما هى البروليتاريا ؟


مفاهيم البروليتاريا :
البروليتارية Proletariat استخدمت هذه الكلمة في المراحل التاريخية السابقة لتشير إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة والمحرومة في المجتمع. وفي القرن التاسع عشر استخدم هذه الكلمة ماركس وأنجلز للدلالة على طبقة العمال الحديثين الذين لا يملكون وسائل إنتاج. ومن ثم هم مضطرون لبيع قوة عملهم إلى مالكي وسائل الإنتاج ـ الرأسماليين وبذلك يصيرون سلعة شبيهة بأي سلعة أخرى، ويتعرضون كسائر السلع إلى جميع نتائج المزاحمة وتقلبات السوق. والبروليتارية بالمفهوم الماركسي تختلف عن الطبقة العاملة التقليدية. فهي تضم فئات من جميع الشرائح الاجتماعية، وبرزت في فترة تفسخ النظام الإقطاعي وظهور المجتمع الرأسمالي. وضع ماركس وأنجلز مؤسسا النظرية من تحليلهما طبيعة التطور التاريخي للمجتمعات الأوربية، الذي يقوم على جدلية التناقض والصراع الطبقي، مقولة المرحلتين اللتين ينبغي على الشغيلة إنجازهما، من أجل تحقيق الشيوعية وهما:
(1) مرحلة انتقالية بين المجتمعين الرأسمالي والاشتراكي. وفي هذه المرحلة تحدث تحولات اجتماعية واقتصادية جذرية، تقودها سلطة الشغيلة أي دكتاتورية البروليتارية فقط.
(2) المرحلة الثانية: هي مرحلة المجتمع الشيوعي، أي مجتمع الحرية، حيث تزول الطبقات وتتلاشى الدولة.
وقد أثارت مقولة مرحلة الانتقال هذه، أو دكتاتورية البروليتارية التي أشار إليها ماركس في سياق نقده برنامج غوته جدلاً وحواراً واسعين في أوساط الماركسيين، أوائل القرن العشرين، ولاسيما بعد انتصار الثورة البلشفية في روسية، بقيادة لينين التي أعطت البروليتارية بعدها العملي. وقد كانت مساجلات لينين الثرية مع معارضي الطريق الثوري العنيف الذي سلكتهالثورة حول دكتاتورية البروليتارية، ومرحلة الانتقال سبيلاً لإنضاج هذه المقولة، واتخاذها المجرى العملي والتطبيقي. ولاسيما في بلد زراعي متخلف صناعياً، بالقياس إلى المجتمعات الرأسمالية المتطورة صناعياً في أوربة، مثل ألمانية وبريطانية وفرنسة، والتي حلّل ماركس تطورها الاجتماعي والاقتصادي، وبنى مقولاته النظرية واستنتاجاته، على التطورات والمتغيرات الاجتماعية المتوقعة للنظم البرجوازية الأوربية التي تتمتع بقدر كبير من التطور الرأسمالي. والدولة عند ماركس، هي أداة قمع بيد الطبقة المسيطرة تستخدمها لتثبيت هيمنتها على الطبقات الأخرى المسحوقة في المجتمع، وقد أوضح أنغلز، رفيق ماركس في تأسيس نظريته، «مسألة الدولة» على أنها: «الدولة، ليست إلا جهازاً لقمع طبقة من قِبَل طبقة أخرى، والدولة في أحسن الأحوال، شرٌ ترثه البروليتارية المنتصرة في الكفاح من أجل السيطرة الطبقية. وهو يشير في سياق حديثه إلى أن الرعب قد استبد كذلك بالاشتراكيين الديمقراطيين من ديكتاتورية البروليتارية ضارباً المثل بكومونة باريس، وهو يرى أن الدولة ليست سوى منظمة موقتة، تستخدم في النضال من أجل تحطيم الأعداء بالعنف، وأنه من التناقض القول بدولة شعبية حرة. ومادامت البروليتارية تحتاج إلى الدولة، فإنها لاتحتاج إليها من أجل الحرية بل لقمع أعدائها. وما إن يصبح بالإمكان التحدث عن الحرية، حتى تزول الدولة بوصفها دولة».
طبيعة المرحلة الإنتقالية :
تَتَّسِم المرحلة الانتقالية بخصائص وميزات ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية:
 فعلى المستوى الاجتماعي، تتغير العلاقات الاجتماعية وتزول التمايزات الطبقية، نتيجة ممارسة البروليتارية التي تمثل غالبية القوى الشعبية المستغَلَة سلطتها الثورية، وينجم عنها القضاء على امتيازات الطبقة البرجوازية، وتسود علاقات المساواة بين أفراد المجتمع، الذي تعلو مصلحته على مصالح الأفراد، إذ لا يجد الفرد مصلحته إلا في إطار مصلحة الجماعة.
 وعلى المستوى الاقتصادي تنجز سلطة البروليتارية تحطيم قوى الاستغلال الرأسمالي والملكية الخاصة، وتحل محلها ملكية الشعب لعناصر الإنتاج، وتتبدل علاقات الإنتاج، من علاقة تقوم على المصلحة الفردية والاستغلال إلى علاقة إنتاج اجتماعية، ولصالح المجتمع.
 وعلى المستوى السياسي، تشهد المرحلة الانتقالية تبدُّلاً في طبيعة القوى السياسية ونشاطها، فالقوى السياسية المتحالفة مع القوى الرجعية والبرجوازية، يجري تدميرها مع تدمير طبقتها الاقتصادية والاجتماعية، وتحل محلها القوى السياسية الثورية المتحالفة تحالفاً وثيقاً مع مصالح الطبقة العاملة، وهي تعد طليعة لها، ويمثّل الحزب الشيوعي فيها دور القائد الذي يعبر عن وعي الطبقة العاملة ويوجهها نحو إنجاز الثورة الاشتراكية.
ويؤلف قيام دكتاتورية البروليتارية، قانوناً أساسياً، للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية ومن دونها لايمكن بناء العلاقات الاشتراكية وتطويرها، فالبرجوازية التي تملك المعامل والمصانع والتجارة والنقل والأمور المالية وكل المواقع الرئيسية في الاقتصاد، وتملك سلطة الدولة، وتهيمن على أجهزة الأمن والجيش، إضافة إلى وسائل التأثير الإيديولوجي، تكافح كفاحاً عنيفاً وعنيداً في سبيل المحافظة على ملكيتها، والإبقاء على سيطرتها السياسية، وعلى وضعها المتميز في المجتمع. ولهذا، فمن أجل الانتصار على قوى هذه الطبقة، لابد للبروليتارية من أن تقيم دكتاتوريتها، أي سلطتها التي تعتمد على القوة، وتكون مهمتها الدفاع عن مكاسب الطبقة العاملة من الأعداء في الداخل والخارج بأي وسيلة. وقد قادت تجربة الثورة البلشفية في روسية عام 1917، إلى نقل مقولة دكتاتورية البروليتارية، من حيِّز الفكرة إلى حيِّز الواقع والتطبيق. وأدى ذلك إلى بروز قضايا واجهها الفكر الماركسي، تتعلق بأسلوب ممارسة البروليتارية لدكتاتوريتها ومضمون هذه الممارسة.
ديكتاتورية البروليتاريا والمرحلة الإنتقالية :
لم يختلف المفكرون الماركسيون بعد ماركس، حول مرحلة الانتقال، بل دار الخلاف بينهم حول طبيعة الانتقال وأسلوبه، وطبيعة سلطة البروليتارية في هذه المرحلة. فقد فاجأت الثورة الروسية معظم ماركسيي الأحزاب الشيوعية في العالم آنذاك، وقلبت التوقعات التي كانت تتجه باتجاه حدوث الثورة الاشتراكية في ألمانية، بالنظر لاكتمال الشروط الموضوعية فيها، من حيث التطور الرأسمالي في مرحلته العليا، وطبيعة التناقضات الاجتماعية. وكان الواقع الروسي، يثير أمام المقولات الماركسية مسائل جديدة غاية في التعقيد، ناجمة عن درجة التطور الاجتماعي الروسي، من جهة، وطبيعة النظام الرأسمالي الذي لم يصل إلى مرحلة متقدمة، من جهة أخرى. ووجود فئات واسعة من الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين الذين لهم مصلحة في الثورة الاشتراكية إضافة إلى العمال الصناعيين الذين يعدون القوى الأساسية للثورة الاشتراكية كما يرى ماركس. وقد تولى لينين قيادة التجربة الروسية، بكفاية وقدرة عالية، نظرياً وعملياً، واستطاع تطوير المقولات الماركسية وإخضاعها لاجتهادات تنبثق عن معطيات هذا الواقع، وخاض بذلك معارك فكرية واسعة مع نظرائه من الماركسيين في داخل حزبه الشيوعي في روسية، وخارجها. وكان لينين يرى أنه في مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية، يظل القمع أمراً ضرورياً، ولكنه يغدو قمعاً للأقلية المستثمِرة المستغِلة، من جانب الأكثرية المستثمَرة المستغَلة، ويبقى الجهاز الخاص للقمع (الدولة) أمراً ضرورياً، ولكنها تغدو دولة انتقالية. غير أن الشعب يستطيع قمع المستثمِرين بمنتهى السهولة بمجرد تنظيم الجماهير المسلحة، على غرار سوفيتيات وممثلي العمال والجنود.
ودكتاتورية البروليتارية عند لينين حتمية في مرحلة الانتقال، وهي ضرورية للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. لسببين: (1) ـ لا يمكن التغلب على الرأسمالية واستئصالها من دون قمع مقاومة المستثمِرين الذين لا يمكن تجريدهم دفعة واحدة من ثرواتهم، ومن فوائد تنظيمهم ومعرفتهم، لأنهم سيحاولون حتماً إسقاط سلطة الكادحين الفقراء مدة طويلة نسبياً.(2) إن السلطة السوفييتية، ليست سوى إطار تنظيمي لدكتاتورية البروليتارية، أي دكتاتورية الطبقة الطليعية، التي تشارك في حكم الدولة، وتشرك معها عشرات الملايين من الشغيلة، الذين يتعلمون من تجربتهم أن يروا في الطليعة المنظمة الواعية أي الحزب، أفضل قائد لهم. هذه الحتمية والضرورة التي تسوغ العنف الذي تمارسه السلطة الثورية لدكتاتورية البروليتارية، لم تكن الخيار الوحيد المقبول من الماركسيين جميعهم، فقد كان بعض ماركسيي الأحزاب الشيوعية، ولاسيما في ألمانية، يرون أن مرحلة الانتقال ودكتاتورية البروليتارية يمكن أن تتم بالخيار السلمي والبرلماني والديمقراطي، في ظل النظام البرجوازي، وأن الطبقة العاملة قد صارت على قَدْر من الاتساع وقوة التأثير، يمكنانها من الحصول على الأكثرية البرلمانية، ومن ثم فرض السلطة العمالية بالطريق الديمقراطي وتحقيق دكتاتوريتها، والإسراع والتوسع في الانتقال من النظام الرأسمالي إلى النظام الاشتراكي. ولكن التجربة أثبتت إخفاق هذا الاتجاه، فلم يستطع أي حزب شيوعي في أوربة أن يحقق هذا الخيار. وأخفق كاوتسكي الذي قاد هذا التوجه، ونعته لينين بأنه يميني مرتد عن الماركسية.
ديكتاتورية البروليتاريه والديمقراطية :
وضع لينين، أسساً لمنظومة مترابطة ومتناسقة من المفهومات، تنقل الطبقة العاملة من الديمقراطية البرجوازية، إلى ديمقراطية جديدة عادّاً سلطة السوفييت،الإطار التنظيمي لدكتاتورية البروليتارية وهي الصورة الجديدة التي يمارسها عشرات ملايين الكادحين، بمشاركتهم مشاركة مباشرة في حكم الدولة، وتمتعهم بأقصى درجات الديمقراطية في اختيار ممثليهم إلى المجالس التمثيلية للعمال. وقد ربط مرحلة الانتقال بشرطين لازمين وهما: دكتاتورية البروليتارية، والطليعة المنظمة الواعية، أي الحزب. وأنه ليس ثمة أي تناقض بين الديمقراطية السوفييتية واللجوء إلى سلطة دكتاتورية البروليتارية. ففي مرحلة الانتقال تتطلب السلطة وحدة الإرادة المطلقة، والخضوع لها. وهذا الإخضاع يقتضي الوعي والطاعة المثاليين. وتتحدد مهمة الحزب في أن يسير في طليعة الجماهير المكافحة، من أجل قيادتها في السبيل القويم. وشدد لينين على ترسيخ صيغة الديمقراطية المركزية داخل المؤسسات العمالية والحزبية. وقد أخذ المسار العملي لتطبيق الديمقراطية الاشتراكية أي دكتاتورية البروليتارية، في النهج اللينيني الاتجاهات الآتية: (1 )ـ إلغاء الشكليات والقيود البيروقراطية كافة، وترك الجماهير تحدد طريقة الانتخابات ومواعيدها والتمتع بكامل الحرية في سحب تمثيلها. (2)ـ الناخبون هم جماهير العمال والفلاحين، وحجب حق الانتخاب عن البرجوازيين.(3)ـيتكون تنظيم طليعي لجماهير الشغيلة أي البروليتارية، يتيح لها قيادة أوسع، لجماهير المستثمرين وإشراكها في الحياة السياسية.


Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق