الثلاثاء، 9 أبريل 2013

من جواهرلال نهرو؟

نهرو وغاندى
                                           
نشأة نهرو:                                    
وُلد جواهلر لال نهرو عام 1889 لأُسرة ميسورة تنتمى إلى الطبقات الإجتماعيّة المُتميزة عند الهندوس ، والده مُحامى  موتيلال نهرو رئيس المؤتمر الوطنى الهندىّ ، كانت لإقامته مع عائلته فى مدينة  الّله آباد ، حيث كان الأبُ يعمل مُحامياً ، وكان مكتبهُ مُزدهراً ، مّما مكّن العائلة من التمتّع بعيشٍ رغيدٍ ومُرفّه.  تلقّى نهرو دروسه الأُولى بين عامىّ 1902 - 1904 على يدّ مُعلمٍ خاصٍ. ثمّ أرسله والدهُ عام 1905 إلى بريطانيا للإلتحاق بمدرسة " هارو " Haro   وانتقل بعدها إلى كامبدج، ليحصل على إجازة  فى العلوم الطبيعيّة وأُخرى فى الحقوق من جامعتها. أح[ّ الشاب الهندي المُطالعة فى أثناء دراسته الجامعيّة ، وعمل عللى تثقيف نفسه مُنكباً على مُطالعة الكُتب الأدبيّة والتاريخيّة والعلميّة والفلسفيّة والإقتصاديّة ، مّما مكنّه من تحصيل زاد غني من الأفكار والآراء العصريّة المُتقدّمة، تأثّر بالفكر الإستراكى ومفاهيمه للتنمية الإقتصاديّة. راسل نهرو من بريطانيا صحيفة التايمز التى كانت تصدر فى الهند، وركّز فى مقالاته على حزب المؤتمر الذى  مثّل الحركة الوطنيّة  الهنديّة فى تلك الفترة. وفى الجامعة  تعرّف نهرو على قادة حركة " الجمهوريين الأيرلنديين " وأفاد من تجربتهم فى المُطالبة  باستقلال أيرلندا عن التاج البريطانى. تخرّج فى الجامعة عام 1912 ليُصبح مُحامياً لدى المحاكم العُليا ، ثمّ عاد إلى الهند وبدأ العمل  ف الإدرات الحكوميّة وهو مُفعم بالأفكار الوطنيّة ، ثمّ ما لبث أن التحق بحزب المؤتمر الهندى الذى أسّسه غاندى Gandhi .
بدء نهرو حياته السياسيّة:
وفى عام 1920 ترك نهرو ووالده مهنة المُحاماة وما تُدرّه من أرباح ، وباعا ممُتلكاتها وآثرا العيش البسيط والمُتقشف على طريقة غاندى، وتفرّغا للعمل بالحركة الوطنيّة ، الأمرُ الذى من إعجاب الهنود بهما . ثمّ ظهر نشاطهما جليّاً  بعد مذبحة " أمريستار Amrista " الت ارتكبها جنود الإحتلال البريطانى فى الهند عام 1919 ، وشاركا بفاعليّة فى تأسيس حركة " الّلا تعاون " وهى الحركة التى دعتْ الهنود إلى عدم التعاون مع المُحتل البريطانى ومُقاطعته. ومنذ أنْ انضمّ المُحامى  الشاب إلى الحملة الوطنيّة التى يقودها المهاتما غاندى صار وثيق الصلة معه وشديد التأثّر برسالته وآرائه ومواقفه ، وامتدّ تأثير غاندى داخل أُسرة نهرو ليشمل أُخته فييجابا لاكشمى بانديت التى انخرطتْ معه بالعملالوطنى من أجا الهند. وعلى الرغم من الإختلافات العديدة  التى حصلتْ بين الرجلين فقدّ  شديدي الإخلاص والوفاء لبعضهما منذ الّلقاء الأول بينهما عام 1916. ونتيجة للعمل الحماسى  فى الوطن  تعرض نهرو للسجن من قبل قوات الغحتلال البريطانى ثمانى مرّات ، مّما أكسبه شهرة واسعة فى جميع أنحاء البلاد ، وبدأ نجمهُ يسطع  كأحد قادة التحرّر فى مواجهة الإحتلال البريطانى ومن أجل الإستقلال الوطنى للهند. سافر نهرو عام 1926 إلى أوربا بصحبة  زوجته  وابنته آنديرا غاندى  Indira Gandhi  ، وهُناك اتّصل بحركة ( الإشتراكيّة الدوليّة ) التى كان يرى فى أهدافها وسيلة لتحقيق بعض رؤاه الإصلاحيّة ، وفى أحد مؤتمرات هذه الحركة انتُخب عضواً فى هيئتها العُليا. وحينما عاد إلى الهند مُجدّداً انخرط فى المُعارضة السليمة للإستعمار فاعتقلته قوات الشرطة من جديد عام 1928 ، وتعرّض للضرب ولاعتقلات عديدة ومُتكرّرة ، ولم تنته إلّا مع حصول الإستقلال ، انتُخب نهرو عام 1929 رئيساً لحزب المؤتمر فى عموم الهند ، وقدّ تكرّر ذلك فى الأعوام 1936 - 1938 - 1946 .
نهرو وحركة التحرّر الهنديّة:
كان نهرو، عشيّة نشوب الحرب العالميّة الثانية ، قدّ تبوّأ موقعاً مُهماً فى حركات الإحتجاج السلمى الطويل من أجل الإستقلال ، وحين غدا فى عام 1939 رئيساً للمؤتمر الشعبى  لعموم الهند صار فى أفضل وضع للتفاوض مع الإحتلال البريطانى من أجل الإستقلال ، وفى عام 1946 وصل إلى موقع نائب رئيس الحكومة المؤقتة التى تُدير الهند باسم التاج البريطاني ،واُختير كبيراً للمفاوضين فى المفاوضات التى عُرفت  بمفاوضات " انتقال السلطة " من الإنجليز ،وبعد نجاح تلك المفاوضات أصبح نهرو رئيساً للحكومة الإنتقاليّة التى شُكّلتْ آنذاك  ،  وفى عام 1947 أُعلن استقلال الهند ، وعندما قُسّمت ْشبه القارة الهنديّة إلى دولتين ( الهند وباكستان ) ، كان نهرو زعيماً لحزب المؤتمر الهندىّ مّما وفّر له  الفرصة لزعامةالبلاد ودخول  التاريخ  كأول رئيس وزراء للهند المُستقلّة فى 15 أغسطس 1947. كانت جهود نهرو بارزة فى وضع الدستور الديمقراطى للدولة الهنديّة الجديدة، فقد ظهرتْ فيه تأثره الكبير بالديمقراطيّة  الإنجليزيّة التى درسها بعمقٍ وعاش فيها قسطاً من الزمن. تركزتْ هموم نهرو الهنديّه بعد الإستقلال على بناء أُمة جديدة ،  لتخرج من تخلّفها التاريخى لتدخل إلى رحاب العصر الحديث بحيث تتمكن من إعالة  وإطعام عدد السكان الكبير وإطعامه ، وكان يزيد على 500 مليون ، فاهتمّ بإقامة التنمية على  أُسس إنسانيّة، واعتمد التخطيط المركزى وفق خُطط خمسيّة مُتتالية، بدأت بالخطة الخمسيّة الأولى 1951 - 1956 التى استهدفت زيادة إنتاج الطعام والمواد الغذائيّة بالتركيز على تنمية الأساليب الجديدة فى الزراعة وتعميقها، وقد أحرزتْ هذه الخُطة نجاحاً ملحوظاً فى هذا المجال، فى حين واجهتْ إجراءتها صعوبات ككبيرة وتحديات حقيقيّة، مثل الإنتشار الواسع للأدميّة، وتفجّر الصراعات الدينيّة التى  استعرتْ بعد الإستقلال.
نهرو  والنزاع حول كشمير:
ومن ذلك تابع نهرو برنامجه التنموى الطموح ، فحقّق زيادة فى الدخل القومى للبلاد، وحينما تفجّر النزاع بين الهند وباكستان على منطقة كشمير  أعلن نهرو أنّه لا حلّ لمُشكلة كشمير إلّا بتمكين سكانها من تقرير مصيرهم عبر استفتاء حر ونزيه، غيْر أنّ المُشكلة تعقدتْ بين الهند وباكستان، مّما أدّى إلى صدام مُسلّح  بين الدولتين التوأمين نجم عنه تقسيم هذه الولاية ذات الأغلبيّة المُسلمة ، ومع سيطرة الهند على أكثر من نصف مساحة الولاية فإنّ النزاع مازال بينها وبين باكستان لم يتوقف، وفى عام  1957 اتّهم نهرو باكستان بدعم الجماعات الكشميريّة المُسلّحة التى تتخذ من  المناطق الخاضعة للسيطرة الباكستانية مقراً لها ، مّما أدّى إلى اندلاع حروبٍ مُتتاليةٍ بين الدولتين، وما زال النزاع قائماً إلى الآن. يحتفل الباكستانيون والكشميريون كل عام في السابع والعشرين من شهر أكتوبر باليوم الذي احتلت فيه الهند ولاية كشمير، ويقصدون من الاحتفال لفت أنظار العالم إلى ما يحدث للمسلمين في الولاية ذات الغالبية المسلمة، وهم يعتبرون هذا اليوم أسود الأيام في تاريخ كشمير، لقيام الجيش الهندي بمهاجمة الولاية في نفس هذا اليوم من عام1947م، واحتلالها، فالهند خرقت قانون تقسيم الهند إلى دولتين (الهند وباكستان) وقيام الهندوس المتطرفين بقتل 300 ألف مسلم كشميري في شهرين فقط. ولم يوافق الشعب الكشميري علي احتلال الولاية، فمنذ اليوم الأول بدأ الجهاد، وبمساعدة رجال القبائل الباكستانيين، وكادت المقاومة أن تحرر الولاية، ولمّا أحس الهندوس بأنهم سيُمْنوْن بهزيمة ساحقة علي يد المجاهدين، قاموا بتحويل النزاع حول كشمير إلى المنظمة الدولية؛ طالبين دعمها ومع ذلك لم يطبقوا قرارًا واحدًا من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن. ولم يكن نهرو زعيماً للهند فقط ، وإنّما كان فى الوقت نفسه زعيماً عالميّاً ترك بصماته على السيادة الدوليّة ،
نهرو وحركة عدم الإنحياز:
وإلى جانب تأكيد حضور الهند ومكانتها فى العالم ودورها فى مُعالجة الشئون السياسيّة والإجتماعيّة  والإقتصاديّة التى وتجهت البشرية حينذاك برز نهرو واحداً من كبار قادة العالم الثالث والفاعلين فى حركته من أجل الإستقلال والحياد الإيجابى وعدم الإنحياز. ومع استمرار الهند بعضويّة" رابطة الشعوب البريطانية"British Common Wealth  ، فقدّ استطاعتْ تحت قيادة نهرو أنْ تُحافظ على نهجها فى الغستقلال الوطنى ودعم حركات التحرّر فى العالم ، واشتهر نهرو بخطابه السياسى الرافض ااغمبرياليّة والداعى إلى مُحارة الإستعمار، وهو الخطاب الذى لقىَ صدىً لدى الشعوب الساعية إلى التحرر والخلاص من الإستعمار، ودعا إلى عدم  الإنضمام إلى أيّ ٍ من المُعسكرين الشرقى أو الغربى ، الأمر الذى ولّد فكرة تكوين مجموعة دول عدم الإنحياز التى ظهرتْ إلى الوجود، ورأى نهرو أنّ هذه المجموعة الدوليّة يُمكن أن  تُقيم التوازن الدولى  وتُسهم فى حفظ السلام العالمى، ومن أجل ذلك كان من أوائل الداعين إلى عقد مؤتمر باندونج عام 1955 وهو أول مؤتمر دولى يُعقد باقتراح الدول المُستقلّة حديثاً ومشاركتها، وتغيّبتْ عنه الدول الغربيّة، وصدرتْ عنه المبادئ  الخاصة بالعلاقات الدوليّة، وسيظلّ هذا المؤتمر خالداً فى ذاكرة التاريخ بوصفه حدَثاً سياسياً دوليّاً فتح صفحة جديدة فى التارييخ المُعاصر. كان المؤتمر مُنطلقاً لحركة عدم الغنحياز بحضور عدد كبير من أبرز زعماء العالم الثالث، مثل الرئيس الإندونيسى  أحمد سوكارنوSukaron  ورئيس الوزراء الهندى نهرو، الرئيس المصرى جمال عبد الناصر ، والملك الكمبودى نوردون سيهانوك Nordon Sihanouk  وأصبحت الدول ال29 المُشاركة فيه أعضاء رئيسيين فى حركة عدم الإنحياز، وقدّ أثار هذا  المؤتمر موجة جديدة  من نضال الشعوب من أجل الإستقلال، وأجّجَ حركات التحرّر الوطنى، وعجّل فى انهيار النظام الإستعمارى فى العالم. ظهرت حركة عدم الإنحياز  نتيجة للحرب الباردة بين المعسكر الغربى والشرقى ، وكان نهرو أول من  صاغ  مُصطلح " عدم الإنحياز " عندما أعلنه فى اجتماع كولمبو ، عاصمة سريلانكا، وقدّ اشتملتْ بنوده على : الإحترام المُتبادل لحق السيادة على كامل الأراضى الوطنيّة الدوليّة، وعدم الّلجوء إلى العُنف والتعايش السلمي، وعدم التدخل فى الشئون الداخليّة للدول الأُخرى ، والتعاوم المُتبادل المُفيد بين الدول والشعوب على أساس المساواة.


Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق